هل تؤثر برامج الرعاية الصحية على الاقتصاد؟ نعم والدليل ماليزيا
تُعد الرعاية الصحية إحدى أكثر النقاط الإشكالية في الاقتصاد بشكل عام، في ظل مطالبات مستمرة بزيادة الإنفاق على هذا القطاع الحيوي، سواء من جانب الحكومات أو حتى من جانب القطاع الخاص الذي يرعى موظفيه بتأمين صحي مستقل.
قطاع ينمو
ويبلغ قطاع الرعاية الصحية حول العالم حجمًا قد يفوق توقعات كثيرين، إذ تقدره دراسة للمنتدى الاقتصادي العالمي بحوالي 8 تريليونات دولار، وينمو هذا القطاع بشكل متسارع حتى يقارب ضعف معدل نمو الناتج العالمي، ما يعكس حاجته النسبية للمزيد من التوسع، رغم حجمه العملاق بالفعل.
ووفقًا لدراسة لجامعة "بوسطن" الأمريكية، فإن هناك أزمة حقيقية فيما يتعلق بالناحية الاقتصادية للإنفاق على الرعاية الصحية في مختلف الدول، حيث لا توفر أكثر المشافي إنفاقًا للأموال، أو حتى أكثر الدول والمدن إنفاقًا، أفضل الخدمات الصحية بالضرورة.
وعلى سبيل المثال فإن أكثر 4 ولايات إنفاقًا على الصحة العامة (بالنسبة لنصيب الفرد من النفقات) في الولايات المتحدة هي "فيرمونت" "ماساشوتس" "كولومبيا" "ألاسكا"، غير أن اثنتين منها فقط ضمن أفضل 5 ولايات من حيث مستوى الرعاية الصحية.
وفي المقابل تحظى ولاية" هاواي" بأفضل خدمات صحية رغم أنها تنفق ألف دولار أقل لكل مواطن عن الإنفاق على المستوى القومي، حيث يبلغ إنفاق الولاية 7 آلاف دولار تقريبًا لكل فرد، بينما يزيد مستوى الإنفاق على مستوى الولايات المتحدة ككل على 8 آلاف دولار قليلًا.
وتشير دراسة للجمعية الأمريكية للصحة العامة إلى إهمال الكثير من الولايات، وكذلك الدول، لتأثير العنصر البشري على مستوى الخدمة، وبالتالي فإن توافر أفضل المعدات والتجهيزات لا يحدث أثره إذا لم يتوافر أطباء ذوو كفاءة عالية، بما يجعل تأثير العنصر البشري حاسمًا هنا.
ماليزيا مثالًا
وتبرز دولة مثل ماليزيا بشدة مثلًا باحتلالها قمة الهرم الطبي في العالم، وفقًا لتقرير "أفضل الأماكن للتقاعد" لمنظمة "إنترناشونال ليفينج" غير الربحية، بحصولها على 95 من أصل 100 نقطة ممكنة على مؤشر الرعاية الصحية.
ويأتي هذا على الرغم من أن نفقات ماليزيا في هذا المجال لا تكاد تبلغ 600 دولار للفرد، غير أن النظام الصحي في البلاد مصمم بحيث يراعي تجنب الإصابة بالأمراض بدلًا من علاجها، عن طريق برنامج وقائي يشمل الكشف الدوري على كل السكان تقريبًا.
كما أن ماليزيا استثمرت بشكل مختلف أيضًا في الطب، وذلك بإرسال حوالي 50% من أطبائها في بعثات إلى الولايات المتحدة وبريطانيا، لتلقي أحدث العلوم الطبية، بما يُعد استثمارا في الصحة عمليًا وفي التعليم نظريًا، وتُعد هذه "نفقات خفية" على الصحة.
كما تُعد ماليزيا من الدول الرائدة في فكرة المستشفيات المتخصصة، والمعنية بعلاج أمراض بعينها، ولا شك أن التخصص له عامل كبير في تحسين الخدمة المقدمة وتطويرها، فضلًا عن دوره في تقليل التكلفة أيضًا بسبب الاستخدام المكثف للمعدات وتحسين قدرة الأطباء على التعامل مع حالات بعينها.
الشركات أيضًا
هذا على المستوى القومي، أما على مستوى الشركات، فإن الموظفين الذين يحظون بتأمين طبي شامل في الولايات المتحدة يقدمون ناتجًا أعلى بحوالي 12% من هؤلاء الذين لا يتمتعون إلا بتأمين جزئي، وبنسبة 17% من هؤلاء الذين لا يحظون بتأمين طبي على الإطلاق، وفقًا لدراسة لكلية "هارفرد" للأعمال.
ووفقًا لهذه الدراسة، فإن التأمين الصحي يبدو ثاني أكثر العوامل جذبًا للموظفين –بعد الراتب- في الولايات المتحدة، باستثناء الوظائف العليا في الإدارة وذات الرواتب القياسية، وأن أكثر من 80% من الموظفين قد يُقبلون على وظيفة براتب أقل نسبيًا إذا توافر تأمين صحي "يُعتمد عليه".
على سبيل المثال، قامت شركة "أمازون" بتوفير تأمين صحي للعاملين لديها بالكامل مع نهاية عام 2018، بما في ذلك العمالة المؤقتة، وتلك التي لا يزيد دخلها على 15 دولارا في الساعة، وذلك سعيًا لاستقطاب أفضل العاملين في ظل وصول الاقتصاد الأمريكي لحالة التشغيل الكامل.
ويتأكد هنا أن الرعاية الصحية على مستوى الشركات مفيدة للغاية للشركة في جذب الموظفين للعمل لديها، بينما على المستوى القومي تكون "كيفية الإنفاق" وليس حجمه العنصر المؤثر في مدى تحول الأموال المنفقة إلى خدمة يستفيد منها المواطنون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق