تجربة دولة بيرو مع التأمين الصحي
التأمين الصحي .. وبطاقة الهوية
آنا كوين من الاقتصادية السعودية
شهدت بيرو نموا اقتصاديا هائلا خلال السنوات الـ 15 الماضية. وللمساعدة في وصول المكاسب الاقتصادية إلى الفقراء، بدأت الحكومة سلسلة من البرامج الاجتماعية في بداية الألفية، تمتد من التعليم إلى الصحة، فالمعاشات التقاعدية، وتستهدف أولئك الذين يعيشون عند قاع السلم الاقتصادي. ومنذ أن أقرت الحكومة قانونا عام 2009 يرمي إلى توفير الرعاية الصحية الشاملة، تحسنت مؤشرات التنمية بدرجة كبيرة في بعض مناطق بيرو. وانخفضت معدلات الإصابة بسوء التغذية المزمن من 28 في المائة إلى 13 في المائة بين عامي 2008 و2016، ويعود هذا في جانب كبير منه إلى استراتيجية حكومية يشارك فيها عديد من القطاعات، وشملت تنمية الطفولة المبكرة، والمكملات الغذائية، والتحويلات النقدية المشروطة، وذلك ضمن عديد من المبادرات الأخرى.
كما انخفضت معدلات الوفاة بين الرضع والأمهات. ويتوقف جانب من النجاح في الدفع نحو توفير خدمات صحية أفضل على التأكد من التسجيل الفوري للمواليد الجدد. في العقود الماضية، لم يكن يجرى تسجيل أغلب المواليد، لا سيما في المناطق الريفية النائية إلا أن اليوم، أصبح كل مولود جديد يوضع في مستشفى أو مركز صحي حضري يمنح شهادة ميلاد والحق في استخراج بطاقة هوية وطنية بعد الولادة. وترتبط هوية الطفل ببصمة إبهام الأم ويعرف برقم قومي يتألف من ثمانية أرقام.
ويتم تلقائيا تسجيل المواليد الجدد المولودين لآباء يستحقون الحصول على مساعدات في برنامج التأمين الصحي في بيرو. والآن، بات 80 في المائة من سكان بيرو البالغ عددهم 31 مليون نسمة تقريبا مدرجين في نظام التأمين الصحي، وتتوقع وزارة الصحة أن تصل البلاد إلى حد التغطية الشاملة بحلول عام 2021. ومن هذا السر الذي أسهم في تغيير حياة الابنة ميلوسكا حيث كانت تشعر بأن هناك شيئا ما خطأ عندما بدت على ابنتها الصغيرة بيرينا علامات الصمم وهي بعد في مقتبل العمر.
قالت ميلوسكا، "بدأت أتساءل عما إذا كانت تستطيع أن تسمعني". وبعد جولات من الاختبارات، أيقنت ميلوسكا أن ابنتها مصابة "بالصمم التام" وأن وسائل المساعدة البسيطة على السمع لن تجدي نفعا. وأبلغها الأطباء أن الحل لن يأتي إلا من خلال عملية تتكلف 30 ألف دولار لزرع قوقعة في الأذن. بالنسبة لميلوسكا، التي تعمل نوبات ليلية كحارس في أحد المطاعم الفاخرة بليما، عاصمة بيرو، كان وقع النبأ مدمرا. قالت، "شعرت كما لو أن أحدا سكب دلوا من الماء البارد فوق رأسي. لم أدر ماذا أقول أو أفعل". طلبت ميلوسكا المساعدة عبر المنظمات والمستشفيات. وأثناء بحثها، التقت أما أخرى استطاعت أن تزرع لطفلها قوقعة أذن من خلال برنامج التأمين الصحي في بيرو. ولحسن الحظ، كان لبيرينا التي بلغت السادسة من عمرها الآن، شهادة ميلاد وبطاقة هوية تسمح للمشتركين بالاستفادة من عدد من الخدمات الحكومية، التي تشمل المزايا الطبية التي يوفرها برنامج التأمين الصحي في بيرو. فجأة، لم يعد هدف ميلوسكا في زرع قوقعة لأذن ابنتها بعيد المنال. بالنسبة لميلوسكا، غير العامان الماضيان حياتها.
فبعد الحصول على التأمين الصحي من برنامج التأمين الصحي في بيرو، أخذت ميلوسكا ابنتها إلى أحد المستشفيات المحلية في كانون الثاني (يناير) الماضي لإجراء العملية. وبعد شهرين، تم تشغيل القوقعة المزروعة. واستدعت ميلوسكا فيضا من المشاعر وهي تشاهد ابنتها تدير رأسها من جانب لآخر عندما تم تشغيل القوقعة المزروعة. قالت، إن بيرينا كانت في البداية تفزع لأقل صوت، لكن عندما تحدثت ميلوسكا إلى ابنتها حدث شيء مفاجئ. قالت ميلوسكا، "لقد نظرت إلي. أعلم أنها سمعت صوتي. أعلم من عينيها أنها سمعت". ومنذ إجراء العملية، تغيرت الحياة جذريا بالنسبة لبيرينا أيضا. وقبل ذلك، قالت ميلوسكا، إن ابنتها اعتادت النوم على وضع الجنين، وكانت عيناها غائرتين.
كانت ترتدي الحفاظات وتبدو شاردة الذهن وخائفة. قالت ميلوسكا، "لم أستطع أن أفهمها، وكانت تشعر بالإحباط. وكان يعتريني شعور سيء لأنني لم أكن أستطيع التواصل مع طفلتي". بيد أن نمط الحياة تغير الآن تماما. في كل صباح، تذهب بيرينا إلى المدرسة المحلية وتجلس في الفصل مع أطفال آخرين من بيرو. وتجلس مرتين أسبوعيا في جلسة خاصة مع إخصائي بمركز السمع واللغات والتعلم في بيرو. تقول ميلوسكا، إن ابنتها لا تفوت درسا واحدا على الإطلاق، وإن سلوكها تغير كليا. وقالت، "لقد كانت عملية الزرع نعمة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق