الماسونية تحت المجهر د. أحمد فؤاد عباس.
يرى الأستاذ نجدة فتحي صفوة أن
أقدم وجود للماسونية في البلاد العربية هو المحفل الذي أسس في القاهرة عام 1798م بعد حملة نابليون، وكان اسمه
"محفل إيزيس". وفي سنة 1838م أسس في القاهرة أيضاً، محفل
ممفيس، فيما يرى د. علي شلش أن أقدم محفل ماسوني في مصر، هو محفل الأهرام الذي
تأسس سنة 1845م، وذلك استناداً إلى كتابات
شاهين مكاريوس، وجورجي زيدان، وأن ستينيات القرن الماضي شهدت إنشاء محفلين آخرين
تحت رعاية محفل "الشرق الأعظم الفرنسي" هما محفل "نهضة
اليونان" الذي تأسس في الإسكندرية في 9 نوفمبر 1863م، ومحفل النيل، الذي
تمت الموافقة على دستوره الرمزي في 23/3/1868م. ثم تأسس بعد ذلك أول محفل مصري
يتحدث فيه الأعضاء بالعربية (محفل نور مصر). ويفهم من تتبع تاريخ الماسونية في مصر
أنها بدأت أجنبية اللغة، وكان أعضاؤها في غالبيتهم من الأجانب، وعندما تم تشكيل
"الهيئة الماسونية المصرية الجديدة" على الطريقة الاسكتلندية باسم
(الشرق الأعظم الوطني المصري) سنة 1876م – والذي أصبحت المحافل المصرية
جميعاً تابعة له – انتخب الإيطالي "سوليتوري زولا" رئيسياً له. وفي عام 1887م انتخب الخديوي توفيق باشا رئيساً
لذلك المحفل. ويبدو أن العصر الذهبي للماسونية في مصر وصل إلى ذروته في الربع
الأخير من القرن الماضي عندما دخل في الماسونية بعض زعماء الإصلاح الذين اشتهروا
في ذلك الوقت ويؤكد الأستاذ نجدة، والدكتور شلش، وغيرهما – أن السيد جمال الدين
الأفغاني كان ماسونياً. والأستاذ نجدة يورد في كتابه "الماسونية في الوطن
العربي" نفس نص الرسالة التي جاءت في دراسة د. شلش التي نشرت في مجلة
"المجلة" قبل بضعة أشهر- والتي يطلب فيها (أي الأفغاني) قبوله عضواً في
أحد المحافل الماسونية في مصر، إلا أن د. نجدة أسند هذه المعلومة بشكل أدق، فبينما
نجد د. شلش يقول حول أصل رسالة الأفغاني. بأنها اكتشفت من بين أوراق الأفغاني
الخاصة التي نشرتها جامعة طهران سنة 1963م، نجد أن الأستاذ نجدة يدلل على
أصلها بأنه "محفوظ مع أوراق جمال الدين الأفغاني ورسائله في جناح خاص في
مكتبة البرلمان الإيراني"، وقد نقل صورة زنكوغرافية لها إسماعيل تائين في
كتابه "دار النسيان والماسونية في إيران" باللغة الفارسية، كما نقل نصها
د. علي الوردي في كتابه "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث". وفيما
لا يجد د. شلش أصلاً لاسم المحفل الذي انضم إليه الأفغاني، نجد أن الأستاذ نجدة
يحدد ذلك المحفل بأنه محفل "كوكب الشرق" التابع للمحفل الأعظم
الإنجليزي. وفي تطور آخر نجد أن تلك المحافل تتدخل في الأمور السياسية – عكس ما
كان يشاع عنها – وأن هذا التدخل كان يختلف من فترة إلى أخرى باختلاف الظروف
والأحداث التي تعرف الماسونية كيف تتعايش معها وتستفيد منها، ففي أثناء انتساب
الأفغاني للماسونية، كان النشاط السياسي الذي يمارسه يبدو عدائياً من وجهة نظر
الإنجليز، الذين كانوا يحتلون مصر، ولا يبدو كذلك من وجهة نظر الفرنسيين، ولذا فإن
تأسيس الأفغاني لمحفل ماسوني جديد برئاسته تابعاً "للشرق الأعظم
الفرنسي" كان له دوره في القرار الذي اتخذه الإنجليز بنفيه من مصر.
الماسونية في مصر وبلاد الشام
وكان للماسونية في مصر مجلة تنشر
أخبارها وتشيد بها، هي مجلة "اللطائف" التي كان يصدرها شاهين مكاريوس،
وهو لبناني من جنوب لبنان، (مرجعيون)، تلقى مبادئ القراءة والدروس الأولى على يد
"يواكيم مسعود" وعمل مدة في المطبعة الأمريكية في بيروت، ثم أنشأ
بمساعدة فارس نمر جمعية "شمس البر". وقد انتمى إلى الماسونية في بيروت
سنة1874م، وبعد دخوله بمدة ارتقى إلى
درجة أستاذ، وانتخب كاتب سر للمحفل، ثم لجأ إلى مصر مع زميله يعقوب صروف وفارس
نمر، وأسهم في الحركة الماسونية فيها بنشاط كبير. وأصدر سنة 1886م مجلة "اللطائف" ثم
أنشأ سنة 1891م محفلاً ماسونياً باسم محفل
اللطائف. وقد استمرت مجلة اللطائف في الصدور خمساً وعشرين سنة، حتى توقفت عام1910م على إثر وفاته. وفي عام 1815م أصدر ابنه إسكندر مكاريوس مجلة
"اللطائف المصورة" التي استمرت في الصدور بضع عشرة سنة، وكانت من أوائل
المجلات المصورة في مصر وقد وضع شاهين مكاريوس عدة كتب عن الماسونية هي:
• الأسرار الخفية في الجمعية
الماسونية.
• الآداب الماسونية.
• الفضائل الماسونية.
• تاريخ الماسونية
وفي عام 1942م صدرت في مصر مجلة ماسونية أخرى،
هي مجلة "الأيام" وكان صاحبها حسين شفيق المصري، الذي كان يرأس تحرير
مجلة "الفكاهة" و "الاثنين" في نفس الوقت.
ويقول د. علي الوردي: "يمكن
القول بوجه عام أن الماسونية في مصر تختلف من حيث مكانتها الاجتماعية عنها في
البلاد العربية الأخرى، فهي كانت ذات مقام محترم في نظر الناس، وقد انتمى إليها
الكثير من الأمراء والباشوات ورجال الدين، وكان سعد زغلول من المنتمين إليها، وظل
كذلك حتى آخر يوم من حياته، دون أن يؤثر ذلك في زعامته الشعبية".. ولم تكن
نظرة أهل الشام والعراق للماسونية مثلما هو الحال في مصر، بل إن
"الماسونية" كانت تعتبر بمثابة تهمة لأي شخص ينعت بها، وكانت تستخدم من
بين ألفاظ الشتائم والسباب، ويشير شاهين مكاريوس إلى هذه النظرة للماسونية -وهو
يقصد نظرة أهل الشام والعراق لها- في مقدمة كتابه- "الأسرار الخفية في
الجمعية الماسونية" بقوله: "وقد راجت هذه التهم التي رميت بها الماسونية
رواجاً عظيماً في كل الممالك في بادئ أمرها وانتشارها وكثرت الإشاعات عنها إلى
درجة سخر العقلاء منها فصار اسم الماسونية موضوع الشبهة ولا سيما في الشرق"..
ويستطرد في فقرة أخرى: "فهؤلاء وأمثالهم جعلوا البسطاء يتوهمون الشر في
الماسونية، ولذلك نسمع البسطاء يشتمون ويعيرون بقولهم: يا ابن الكافر... يا ابن
الفرمسوني حتى أن بعضهم -ويقصد شخصاً من آل تويني- قال مرة شاكياً من أبناء ملته
لو كنت مجوسياً أو ماسونياً ما عاملوني هذه المعاملة السيئة".
وقد ظلت الماسونية في مصر تتمتع
بمكانة محترمة حتى عام 1964م عندما أصدرت الحكومة المصرية
أمرها بإغلاق المحافل الماسونية ففي شهر إبريل 1964م أصدرت الحكومة المصرية أمرها بإغلاق
جميع المحافل الماسونية في مصر، فوضع النادي الماسوني الإنجليزي في شارع طومسون
تحت الحراسة. وقام محمد علي عوض –نائب الحارس العام- يجرد محتوياته، وتبين من
عمليات الإشراف والجرد أن النادي يدار طبقاً للقانون الإنجليزي، ويعمل أعضاؤه
وفقاً لأحكام هذا القانون، وأن إدارة النادي هربت إلى لندن جميع المستندات
والسجلات من عام 1952م. وصرح محمد عوض: "يبدو أن
هناك علاقة جيدة بإسرائيل"، لما لاحظه من وجود الأعلام والأدوات في النادي،
عليها نجمة داود. وكانت جميع ما في الدار من لوحات وأعلام وأثاث ومطبوعات ونشرات
تتسم بالطابع البريطاني – الإسرائيلي. وقد أثار هذا الحدث ضجة في مصر آنذاك. وفي 3 يونية 1964م نشرت مجلة "آخر ساعة"
القاهرية تحقيقاً عن الماسونية وذكرت فيه الأسباب التي حملت الحكومة المصرية على
غلق محافلها، وقالت: "عندما طلبت الجمعيات الماسونية في الجمهورية العربية المتحدة
تسجيل تنظيماتها بوزارة الشئون الاجتماعية، طلب منهم المسئولون تطبيق قانون
الجمعيات عليهم. وهذا القانون يحتم خضوع كل الجمعيات داخل الجمهورية لإشراف وزارة
الشئون الاجتماعية، ويكون للمسئولين في الوزارة حق التفتيش على أعمال الجمعية
للتأكد من عدم مخالفتها للقانون ورفضت الجمعيات الماسونية ذلك! فقررت الحكومة
إلغاء الجمعيات الماسونية في مصر. وكانت العراق هي أول دولة عربية تقدم على إلغاء
هذه الجمعيات، وتجريم المنتسبين إليها، وذلك عام 1958م.
علاقة الاستعمار بالماسونية
ولقد اتضح بما لا يدع مجالاً
للشك أن هنالك علاقة وثيقة بين الاستعمار البريطاني – الفرنسي للدول العربية،
وانتشار الماسونية في تلك الدول، ولا أدل على ذلك من أن المحافل الماسونية في
سوريا ولبنان كانت تابعة "للشرق الأعظم" الفرنسي، فيما أن المحافل
الماسونية في العراق والأردن وفلسطين والكويت والبحرين كانت تابعة "للمحفل
الأكبر" الإنجليزي، فيما عدا مصر التي شهدت الاستعمارين الفرنسي والانجليزي
ومعهما محافل "للشرق الأعظم" و "للمحفل الأكبر"!.
وقد كانت تلك المحافل تحض على
مؤازرة الاستعمار بدون مواربة! فلم تمض بضع سنين على احتلال الجزائر حتى كانت
الماسونية "تدعو سنة 1834م إلى نشر الحضارة والأفكار
الفرنسية بأفريقيا، وتثقيف العرب والعمل على بعث نوع من الوحدة العائلية لتكوين
شعب فرنسي جديد". وقد نص القرار الذي اتخذه المؤتمر العام للمحافل الماسونية
المنعقد في "بعلبك" باسم مؤتمر "الأحرار" في أول أغسطس 1924م على "التعاون مع سلطات
الانتداب".
وقد حذت معظم الدول العربية
والإسلامية حذو الموقف الذي اتخذته مصر والعراق، حيال الماسونية، فقامت بفرض حظر
على نشاط الجمعيات الماسونية فيها وإغلاقها، أما في لبنان فإن طبيعة التركيب
الاجتماعي والسياسي، الذي يتميز به عن غيره من البلاد العربية – جعلته يحجم عن
اتخاذ موقف رسمي حاسم إزاء الجمعيات الماسونية فيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق