نسيم حجازي والرواية الإسلامية
في الأدب الأردي
د. سمير عبد الحميد إبراهيم - مصر
لا يتعدى عمر الرواية الأردية قرناً من الزمن، ومع هذا فقد ظهرت خلاله مئات الروايات، لكن عدداً قليلاً جداً منها نال شهرة بين القراء، ويرى بعض النقاد أن الروايات الجيدة في الأدب الأردي تعد على الأصابع، وقد حققت الرواية التاريخية في الأدب الأردي مكانة بين القراء، بينما لم تنل استحسان النقاد الذين عابوا عليها غلبة عناصر واتجاهات الدعوة وتبليغ الدين، وافتقارها إلى عرض مشاكل المجتمع الإسلامي، وقد نجا من هذا النقد –إلى حد ما - الأديب نسيم حجازي الذي برع في رواياته التاريخية، فهو لم ينج من أقلام النقاد الذين عابوا عليه غلبة عناصر النصيحة المباشرة وعناصر الرومانسية في رواياته، وافتقاره لعنصر الواقعية في رسم شخصياته.
ظهر الأديب عبد الحليم شرر قبل نسيم حجازي بفترة، وبدأ عمله صحفياً سنة 1305هـ/ 1887م، ثم كتب روايات نالت استحسان القراء، وتميزت باتجاهها الإسلامي، ويقال إنه بدأ دراسة التاريخ ليجعل منه مادة لرواياته الرومانسية، ولكنه تحول إلى كتابة التاريخ كعلم فكتب عن تاريخ الصليبيين وتاريخ السند، ومع هذا نالت رواياته مثل حسن بن صباح، وفتح الأندلس وعزيز مصر وزوال بغداد وغيرها شهرة كبيرة نظراً لما تمتاز به من حبكة وترابط وتسلسل الأحداث مما يجذب القارئ، بالإضافة إلى براعته في تصوير الطبيعة، وأسلوب الحوار الجذاب. وقد أوجد شرر شخصيات لا وجود لها أصلاً في التاريخ بل كانت من نسيج خياله، وتناول في رواياته شخصيات من الهند وفارس وأفغانستان ومصر والجزيرة العربية وتركيا وروما.
وجاء نسيم حجازي في مرحلة تالية فقد ولد عام 1332هـ/1914م، وتخرج في الكلية الإسلامية بلاهور سنة 1357هـ/1938م وكان التاريخ الإسلامي هو الموضوع الذي جذب اهتمامه بينما شغف بالصحافة وعمل بها.
كتب نسيم حجازي أولى رواياته بعنوان "داستان مجاهد" أي قصة مجاهد، وبعدها توالت سلسلة رواياته التاريخية، فاحتل مكانة خاصة في تاريخ الرواية الأردية، ورغم أن عبد الحليم شرر كتب عن الأندلس إلا أن علاقة نسيم حجازي بالأندلس علاقة من نوع آخر فهو يرى العصر الذهبي للمسلمين في الأندلس، فيعود إليه مرة بعد مرة، ونسيم حجازي أديب حساس تؤثر فيه الأحداث، وتختمر بداخله، فتخرج ناضجة، فيطوعها قلمه على صفحات كتبه.
شاهد الاضطرابات التي وقعت بين الهندوس والمسلمين عام 1947م، فكتب روايته "خاك وخون" التراب والدم، والتي يعدها النقاد من أحسن ما كتب نسيم حجازي، فهي لا تسجل فقط حادثة لا تنسى في تاريخ المسلمين، بل تشير أيضاً إلى الأخطار التي تظهر في الأفق أحياناً. وقد كتب هذه الرواية في مايو 1949م وكانت الأحداث لا تزال قريبة جداً من ذهنه، فهو يتذكر تلك الشجرة التي طالما استظل بها في طفولته، والتي شهدت دماء المسلمين تنساب على جذورها، وتحت هذه الشجرة أخذت أجساد أولئك الشباب الذين اعتادوا أن يتسلقوها ترتعد وترتجف...
".. لا يمكن أن أنسى تلك البسمات التي سلبت من وجه الحياة البريء إلى الأبد، ولا تزال تلك الضحكات يرن صداها إلى الآن، تلك التي ضاعت إلى الأبد، إلا أن هذه الشجرة لم تبرح مكانها حتى اليوم.. آه لو كنت مغنياً لصنعت من غصنها ناياً وعزفت عليه لحناً يجلجل في الفضاء، يعيد إلى الأذهان أنات الأرواح البريئة التي تنتظر قائد قافلة مجهولة تحت الشجرة".
براعة الكاتب في استخدامه للتلميحات والإشارات والرمز
وكتب نسيم حجازي بعد ذلك روايته "يوسف بن تاشفين" فذاعت شهرتها لما لها من أهمية تاريخية، ونظراً لبراعة الكاتب في استخدامه للتلميحات والإشارات والرمز وكذلك الإيجاز والاختصار وعدم الإغراق في تصويره للطبيعة، وما امتاز به من الحوار من أسلوب أدبي جميل، ويوضح الأديب سبب كتابته لهذه الرواية:
"في ضوء الشمس ننسى تلك النجوم التي أضاءت الطريق أمام القوافل الضالة في ظلمة الليل، فانتصارات كل أمة تنسب إلى رجل عظيم، بينما يظل قلم المؤرخ دائماً قاصراً عن ذكر أولئك الجنود المجهولين الذين كتبت فصول التاريخ الجديدة بدمائهم...
هذا الكتاب باب من تاريخ الأندلس، كتب بدماء مجاهدي أمتنا المسلمة المجهولين، فقد كان يوسف بن تاشفين شمساً حملت لمسلمي الأندلس رسالة صباح الحرية والبهجة، وكان كل هذا من نتاج مجاهدين رفعوا قناديل الأمل في ليالي الآلام والمصائب الحالكة".
وفي سنة 1371هـ/1951م كتب روايته "المعركة الأخيرة" التي تناول فيها فتوحات محمود الغزنوي في غرب الهند، أما رواياته "معظم علي"، وتحطم سيف آخر" فقد عبر فيها عن زوال مجد المسلمين في الهند، بينما روايته "الصخرة الأخيرة" تصور مأساة سقوط بغداد (656 هجرية) وروايته "راحل في ظلام الليل" تحكي أحوال المسلمين في الأندلس بعد سقوط غرناطة، ومثلها رواية "الكنيسة والنار".
المسلمون بين الأندلس وشبه القارة الهندية
وفي روايته "شاهين" التي أكملها سنة 1368هـ/1948م، ثم أجرى عليها بعض التعديلات سنة 1378هـ/1958م، فقد ربط فيها بين أحوال المسلمين في الأندلس وأحوالهم في شبه القارة الهندية الباكستانية يقول:
"إن واحة الحرية تخضر فقط على تلك الأرض التي ترويها دماء الشهداء، وحكايات عظمة الأمة تكتب دائماً بهذا الدم الذي يسيل حاراً، وحين تتجمد الدماء لا تنفع الدموع..".
وقد أشاد النقاد بالرواية نظراً لأن الأديب لم يلجأ إلى توسيع رقعة السرد القصصي، بل صنع صورة جميلة، في كل جزء منها تأثير ساحر منذ بداية الرواية وحتى نهايتها.
ومن الروايات التي أخذت منه وقتاً طويلاً رواية "قيصر وكسرى" فقد استغرقت خمس سنوات، وأكملها سنة 1384هـ/1964م.
لقد كتب نسيم حجازي أربع عشرة رواية لا يزال لها مذاقها رغم تغير مذاق الزمان، ذلك لأنه اختار لرواياته أحداثاً من التاريخ الإسلامي التي تعيش في داخلنا وفي نسيج عقولنا وفي عمق قلوبنا، وكم تمنى الرجل أن تترجم رواياته إلى العربية، وقد عبر عن ذلك حين التقيت به في لاهور سنة 1976م، وعرض التنازل عن حقوق الترجمة العربية، لكن الظروف لم تسمح وقتها بترجمة أي من رواياته.
وسمعت أن الدكتور ظهور أحمد رئيس قسم اللغة العربية وعميد كلية الدراسات الإسلامية – سابقاً - بجامعة البنجاب قد ترجم رواية محمد بن قاسم إلى العربية. وقد جدد الأديب نسيم حجازي – رحمه الله - رغبته حين أرسل لكاتب هذه السطور رسالة خطية من باكستان يقترح فيها اختيار بعض رواياته للترجمة، وآمل أن يولي المسؤولون في مجلة الأدب الإسلامي هذا الأمر عنايتهم حتى يمكن أن تتحقق رغبة أديب مسلم وهب حياته لخدمة الأدب الإسلامي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق