الاقتصادية 21/8/2017
في أواخر أيلول (سبتمبر) ومطلع تشرين الأول (أكتوبر) 2016، اجتاح الإعصار ماثيو منطقة البحر الكاريبي وتسببت الرياح التي وصلت سرعتها إلى أكثر من 230 كيلومترا في الساعة في مقتل مئات الأشخاص وتدمير مساحات شاسعة في المنطقة وإحداث أضرار واسعة النطاق. وكانت تلك العاصفة الأسوأ التي تضرب المنطقة منذ عقد من الزمن.
عندما تتعرض منطقة لعاصفة بمثل هذا الحجم تأتي على الفور تقريبا المناشدات لتقديم المساعدة. لكن كثيرا من البلدان الأكثر تضررا من العواصف كانت جزءا من مشروع نظام للتأمين قدم مساعدات في غضون أسابيع، وليس خلال أشهر، وهو الوقت الذي تحتاج إليه المساعدات أحيانا حتى تصل. بحلول منتصف تشرين الأول (أكتوبر)، دفعت "مؤسسة التأمين ضد مخاطر الكوارث في منطقة الكاريبي" 23 مليون دولار لهاييتي، التي كانت واحدة من المناطق الأكثر تضررا من الإعصار. ودُفعت بوالص أيضا إلى باربادوس، وسانت لوسيا، وسانت فينسنت، وجزر الجرينادين.
مشروع منطقة الكاريبي ليس الوحيد من نوعه. في جميع أنحاء العالم، هناك مبادرات مماثلة آخذة في الانتشار، بدءا من التأمين ضد تفشي الأوبئة وصولا إلى تغطية تكاليف حالات الجفاف والفيضانات. وفي حين أن التأمين على الكوارث الطبيعية ليس بالأمر الجديد، إلا أن استخدام التأمين باعتباره شكلا من أشكال المساعدات المقدمة للبلدان النامية هو أمر يكتسب الزخم.
يقول المؤيدون إن استخدام التأمين للاستجابة للكوارث الطبيعية يمكنه المساعدة في إنقاذ حياة الملايين من الناس في البلدان الأكثر فقرا في العالم، من خلال تأمين مصادر مالية أسرع وأكثر قابلية للتنبؤ عند مرورها بالظروف الأسوأ.
في عام 2015 وعدت مجموعة الدول السبع بتقديم تأمين ضد مخاطر المناخ إلى 400 مليون شخص ممن يعيشون في المناطق الأكثر تعرضا لتداعيات التغير المناخي في العالم بحلول عام 2020. وتتصدر كل من ألمانيا واليابان والمملكة المتحدة الجهود لتحويل تلك الوعود إلى إجراءات ملموسة.
لورد بيتس، وزير التنمية الدولية في المملكة المتحدة، قال خلال مؤتمر عقد الشهر الماضي حول هذه القضية في لندن: "نحن على أعتاب الدخول في مرحلة مثيرة للغاية". من جانبه، أطلق عليها جو شوير، مسؤول التغير المناخي والحد من مخاطر الكوارث في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أخيرا لقب "الفكرة التي تغير قواعد اللعبة" في العالم النامي.
يمكن للاشتراك في برامج التأمين أن يجعل الدول الإفريقية "أفضل جاهزية" للتمكن من إدارة قضية التغير المناخي، بحسب ما يقول محمد بيفوجي، المدير العام لـ"آفريكان ريسك كاباستي" African Risk Capacity، وهي شركة تأمين أسست من قبل الاتحاد الإفريقي لمساعدة البلدان في تمويل الاستجابة للكوارث. خلافا لذلك "مع حلول الوقت الذي يتطلب الاستجابة للأزمة أو الكارثة، يكون قد وقع كثير من الضرر بالفعل"، كما يقول بيفوجي.
وجمعت صناعة التأمين عددا كبيرا من التنفيذيين، جنبا إلى جنب مع الأمم المتحدة والبنك الدولي، لتشكيل مجموعة تحمل اسم "منتدى تطوير التأمين" تهدف إلى توسيع نطاق استخدام التأمين وآليات إدارة المخاطر من أجل "بناء مزيد من المرونة والحماية" في العالم النامي.
قال ستيفن كاتلين، رئيس منتدى تطوير التأمين، خلال المؤتمر الذي عقد في لندن: "للمرة الأولى على الإطلاق، نعمل على جمع شركات تأمين وسماسرة على مستوى الرؤساء التنفيذيين على طاولة واحدة للعمل معا. لم أشهد قط من قبل هذا العدد الكبير من أقطاب صناعة التأمين يعملون معا".
وبحسب مايكل بينيت، رئيس قسم المشتقات والتمويل المهيكل في البنك الدولي، ما بين عامي 2007 و2017، نفذ البنك عملية نقل للمخاطر بقيمة 1.5 مليار دولار. لكن كانت هناك معاملات بقيمة مليار دولار خلال الشهرين الماضيين. وأضاف: "هناك كثير من الزخم الآن".
وهناك كثير من الإمكانات لحدوث كثير من الشيء نفسه. وفقا لشركة التأمين "سويس ري"، الكوارث الطبيعية التي حدثت حول العالم عام 2016 تسببت في خسائر اقتصادية بلغت قيمتها 166 مليار دولار، منها 46 مليار دولار فقط تمت تغطيتها من قبل شركات التأمين. وكثير من التكاليف المتبقية، لاسيما في العالم النامي، متروكة للمساعدات الإنسانية.
ويرى أوين باردر، نائب رئيس مركز التنمية العالمي، وهو مؤسسة فكرية، أن "نظام المساعدات الإنسانية الحالي يعمل بشكل سيئ تماما".
وهو يعتقد أن هناك مشكلتين كبيرتين. الأولى، الوصول المتأخر عادة للمساعدات. فالبلدان تطلب المساعدة فقط عندما تصبح المشاكل واضحة للعيان، ووصول المساعدات يمكن أن يستغرق بضعة أشهر. وبحلول ذلك الوقت تكون المشكلة أصبحت أكثر سوءا وأكثر تكلفة. المشكلة الأخرى، هي عدم إمكانية التنبؤ بتلك المعونات. فالحكومات التي تطلب المساعدة ليست لديها أدنى فكرة عما ستحصل عليه، وبالتالي لا يمكنها التوصل إلى خطط ثابتة تتعلق باستخدام تلك المساعدات.
ويلاحظ ستيفان ديركون، كبير خبراء الاقتصاد في وزارة التنمية الدولية في حكومة المملكة المتحدة وأستاذ السياسة الاقتصادية في جامعة أكسفورد: "عندما تكون هناك مناشدات لطلب المساعدات غالبا ما يتم جمع أقل من نصف ما تم طلبه فعلا".
مؤيدو ما يسمى "التأمين البارامتري" يتحدثون عن إمكانية تقديم حلول لكلتا المشكلتين. في ظل هذا النوع من التأمين لا يتم دفع بوليصة التأمين عندما تكون هناك أدلة ثابتة على حدوث خسائر، بل بمجرد أن تظهر أول علامة على حدوث مشكلة. وهذا يمكن أن يكون عند حصول عاصفة، مثلا، أو في المراحل الأولى من حدوث جفاف.
حاملو البوليصة الذين هم في هذه الحالة حكومات البلدان المتضررة، يعلمون تماما كمية المساعدات التي سيحصلون عليها ومتى سيكون ذلك. ومن ثم يمكنهم استخدام تلك المساعدات والأموال في المناطق الأكثر تضررا.
يقول باردر: "إن أعطيت الناس المال مباشرة يمكنهم البقاء. خلافا لذلك سيتركون أراضيهم ويبيعون الأصول التي يمتلكونها بأسعار محروقة، الأمر الذي يجعل شيئا سيئا يتحول إلى كارثة مطلقة". ويضيف البروفيسور ديركون: "الدفع بشكل أسرع يساعد حقا في حالة الكوارث التي تبدأ بشكل بطيء، مثل حالات الجفاف".
عملية بيع أجراها البنك الدولي أخيرا لسندات تأمين ضد تفشي الأوبئة بقيمة 322 مليون دولار تبين الآلية التي ينبغي أن تسير عليها الأمور. ينبغي للحكومات الحصول على الأموال في المراحل الأولى من تفشي الكارثة، عندما يكون لا يزال هناك متسع من الوقت لاحتوائها. ووفقا لمنتدى تطوير التأمين، كان يمكن أن تصل تكلفة احتواء كارثة تفشي فيروس إيبولا في عام 2014 إلى خمسة ملايين دولار عندما اكتشف لأول مرة في غينيا. لكن بعد مرور ثمانية أشهر زادت التكلفة إلى مليار دولار وانتهى الأمر بهذا الوباء أن تسبب في قتل ما يزيد على 11 ألف شخص.
عملت كينيا على إدخال نظام تأمين لمساعدة المزارعين في التعامل مع التغير المناخي، تدفع الحكومة بموجبه أقساط تأمين تصل إلى خمس أبقار في المناطق القاحلة في الشمال والشمال الشرقي. وفي أوقات الجفاف تهدف المدفوعات إلى توفير الغذاء وغيره من الضروريات الأخرى للحفاظ على حياة الحيوانات، لا للتعويض عن الأبقار الميتة.
يقول ريتشارد كيوما، الذي يدير برامج التأمين على الثروة الحيوانية في كينيا: "الأمر كله يهدف إلى الوقاية لا للتعويض. إنها فكرة جديدة وهناك كثير من البحوث التي يتم إجراؤها لجعل البرنامج أفضل حتى مما هو عليه".
رغم تلك الفوائد المحتملة لا يوجد إجماع على أن التأمين هو الحل لمواجهة الكوارث في البلدان النامية. تقول ديبي هيلير، المستشارة العليا للسياسة الإنسانية في منظمة أوكسفام: "هناك كثير من اللغط من قطاع التأمين ومن الجهات المانحة. اللغة الطنانة تجاوزت الواقع بصورة هائلة. يقولون إن قطاع التأمين يمكنه أن يجعل كل الأمور جيدة لكن من الواضح أن ذلك غير صحيح".
يقول نقاد تلك الفكرة إن إحدى المشاكل الكبرى هي ما يسمى المخاطر الأساسية. وهي تحصل عندما لا يتم الدفع بموجب بوليصة التأمين لأن الطبيعة الخاصة بكارثة ما لا تفي بالشروط الواردة والمنصوص عليها في البوليصة.
وأظهرت حالة جفاف اجتاحت ملاوي أخيرا مثالا حيا على المخاطر الأساسية. وفقا لتقرير صدر عن "آكشن آيد"، وهي منظمة غير حكومية، دفعت الدولة خمسة ملايين دولار لبوليصة تأمين صادرة عن وكالة التأمين "آفريكان ريسك كاباستي"، التي كان من المفترض أن تغطي حالة الجفاف.
لكن عند فشل موسم الأمطار العام الماضي وحاجة 6.7 مليون شخص للمساعدة، بحسب ما تقول منظمة آكشن آيد، لم يتم دفع بوليصة التأمين. وكان السبب إلى حد كبير هو أن نوع بذور الذرة المستخدمة من قبل المزارعين لم تكن مشابهة للأنواع المتصورة في البوليصة، لذلك الأضرار الناجمة عن الجفاف كانت أسوأ مما توقعه أنموذج شركة التأمين. بعد تعديل الأنموذج وافقت "آفريكان ريسك كاباستي"على دفع ثمانية ملايين دولار.
لكن "آكشن آيد" تقول إن إجمالي تكلفة علاج كارثة الجفاف وصل إلى 395 مليون دولار. وجاء في تقرير صادر عنها: "ينبغي على مجموعة الدول السبع والبنك الدولي ومنتدى تنمية التأمين وآفريكان ريسك كاباستي وغيرها من الجهات التي تشجع توسيع نطاق أسواق التأمين ضد مخاطر المناخ في البلدان الفقيرة والأكثر عرضة للكوارث، التوقف وإعادة النظر في هذا المسعى في ظل مواجهة الافتقار إلى وجود أدلة تشير إلى إنصافها وفعاليتها، ووجود مؤشرات على أنها ربما تعمل على تفاقم عدم المساواة والضعف".
ردت "آفريكان ريسك كاباستي" بالقول إن بعض مطالب المنظمات غير الحكومية معيبة وإن توصياتها مضللة. قال توماس كويسي كوارتي، وهو دبلوماسي غاني يشغل منصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، إن "آفريكان ريسك كاباستي" دفعت 34 مليون دولار على مدى السنوات الثلاث الماضية لبلدان تضررت من الجفاف، من بينها السنغال والنيجر وموريتانيا. وأضاف: "هذا يمثل التضامن إضافة إلى الممارسة الفعلية للابتكار".
روان دوجلاس، رئيس فريق التنفيذ في منتدى التنمية في قطاع التأمين، أشار إلى أن تجربة ملاوي تبين أن بعض المخاطر الأساسية ستكون حاضرة دائما في مثل هذا النوع من التأمين.
وقال: "يجب أن يكون السؤال: إذا عملت تلك الأدوات بشكل فاعل، لنقل بنسبة 90 في المائة، هل هذا سيكون أفضل من عدم وجودها على الإطلاق وخسارة جميع المزايا التي تقترن بهذا الابتكار المهم؟". ولاحظ أن هناك كثيرا من المواقف التي عملت فيها مخططات مثل "آفريكان ريسك كاباستي" بشكل جيد. والمثال على ذلك المدفوعات السريعة لهاييتي بعد تعرضها لإعصار ماثيو.
أحد الحلول لهذه المشكلة هو وضع نماذج أفضل. يتم وضع نماذج المخاطر في أوروبا والولايات المتحدة على نطاق واسع، جزئيا لأن قطاع التأمين فيهما متطور بشكل جيد. شركات التأمين قادرة على معرفة مخاطر الفيضان بالنسبة لعقار معين، لغاية بضعة أمتار.
لكن هذه ليست الحال في العالم النامي. يقول دوجلاس: "نماذج مخاطر التأمين الرئيسة تغطي نصف سكان العالم تقريبا في الوقت الراهن. على الرغم من أن الخبرة موجودة منذ ثلاثة عقود".
ويقول الخبراء إن التغير المناخي، الظاهرة التي يمكن أن تجعل أنماط الطقس أقل قابلية للتنبؤ، تعمل على تفاقم مشكلة وضع النماذج. لكن حتى إذا كان بالإمكان ضبط النماذج بدقة أكبر وخفض المخاطر الأساسية، لا تزال هناك عقبات تعيق الاستخدام الأوسع للتأمين بوصفه استجابة للكوارث الطبيعية. إحدى تلك العقبات هي السؤال الخاص حول من سيدفع قسط بوليصة التأمين. في بعض المشاريع التي تعمل في الوقت الحالي، الحكومات المانحة هي التي تدفع. في مشاريع أخرى البلدان المتلقية للمساعدات هي التي تدفع.
وفقا لباردر، هناك أسباب وراء إحجام البلدان المانحة والبلدان المتلقية عن الدفع. يقول: "يتسم السياسيون بآفاق قصيرة الأمد. فأنت قد تدفع القسط أثناء وجودك في المنصب ولا تحصل على مردود، فلماذا يتعين عليك هدر الموارد الشحيحة لديك على بوليصة تأمين؟".
بالمثل، تتوقف بعض البلدان المانحة عن الدفع، بحسب ما يقول. "من النادر جدا أن تقوم البلدان المانحة بدفع القسط (...) هناك ممانعة حقيقية من جانبها"، جزئيا لأن بعض الجهات المانحة تفضل الانتظار حتى انتهاء الكارثة لكي تقرر حجم المبلغ الذي ترغب في منحه. هناك دائما بعض التشكك في القطاع الخاص.
أخيرا، بعض المنظمات غير الحكومية تجادل بأن التركيز على التأمين يصرف النظر عن العمل الأكثر أهمية، وهو بناء المرونة في وجه الكوارث الطبيعية.
تقول هيلير: "الجدل حول التأمين طغى على كل شيء آخر. هناك مكان للتأمين، لكنه مكان صغير. وهو يطغى على تقليص مخاطر الكوارث والحماية الاجتماعية، حيث توجد فجوات ضخمة".
ريتشارد يوبانك، المستشار العالمي لشؤون المناخ لدى "كريسشن إيد"، يقول: "من المهم أن يكون لديك نظام ذو كفاءة أعلى من أجل إخراج المال من الباب، لكننا بحاجة إلى التركيز على الإجراءات المبكرة والإنذار المبكر من أجل تخفيض التكاليف إلى مستوى قابل للإدارة بشكل أفضل".
حتى الذين يؤيدون الفكرة يجادلون بأنه لا تزال هناك مسافة طويلة بحاجة إلى قطعها. يقول البروفيسور ديركون: "نحن في القرن الـ21 حين يتعلق الأمر بالإقراض إلى البلدان النامية، لكننا لا نزال في القرن الـ12 فقط حين يتعلق الأمر بالمخاطر".
ويضيف: "نحن فقط نختبر الأشياء الآن. إذا لم ينجح شيء ما بشكل جيد، عندها سنتعلم الدروس من ذلك".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق