مارغريت بودن
يلعب الذكاء الاصطناعي بالفعل دوراً رئيسياً في اقتصادات البشر والمجتمعات، وسوف يلعب دوراً أكبر في السنوات المقبلة. وبالتالي فإن التأمل في مستقبل الذكاء الاصطناعي هو اعتراف بأن المستقبل هو الذكاء الاصطناعي، وسوف يكون هذا راجعاً بشكل جزئي للتقدم الذي تحقق في مجال «التعلم العميق»، والذي يستخدم شبكات عصبية متعددة الطبقات والتي جرى التنظير لها في ثمانينيات القرن العشرين.
ففي ظل القدرات الحاسوبية والتخزينية الأكبر اليوم، أصبح التعلم العميق احتمالاً عملياً، واجتذب تطبيق وتوظيف التعلم العميق انتباه العالم في عام 2016 عندما هزم بطل العالم في لعبة Go اليابانية. وتأمل المؤسسات التجارية والحكومات على حد سواء أن تتمكن من تطويع التكنولوجيا لإيجاد أنماط مفيدة في «البيانات الضخمة» بكل أشكالها.
قدم توماس واطسون رئيس شركة بي إم دبليو في عام 2011، نقطة تحول أخرى في عالَم الذكاء الاصطناعي، عندما هزم بطلين سابقين في لعبة Jeopardy!، وهي اللعبة التي تجمع بين المعرفة العامة والتفكير الجانبي الإبداعي. وكان التطور المهم الآخر متمثلاً في فكرة «إنترنت الأشياء» الناشئة.
والتي ستستمر في النمو بعد أن تصبح المزيد من الأدوات، والأجهزة المنزلية، والأجهزة التي يمكن ارتداؤها، وأجهزة الاستشعار متصلة بها وتبدأ في بث الرسائل على مدار الساعة. أي أننا لن نكون خاضعين لمراقبة الأخ الأكبر، بل ربما يراقبنا تريليون أخ أصغر.
وإلى جانب هذه الإبداعات، يمكننا أن نتوقع رؤية عدد لا يحصى من الأمثلة على ما كان يسمى ذات يوم «الأنظمة الخبيرة»: أو تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تساعد، أو حتى تحل محل، المحترفين من البشر في مختلف التخصصات. وعلى نحو مماثل، ستكون الروبوتات قادرة على أداء مهام لم يكن في الإمكان تشغيلها بواسطة الآلات من قبل. وبالفعل، تستطيع الروبوتات الآن تنفيذ كل دور تقريبا كان البشر يقومون به ذات يوم على أرضية المستودعات.
وليس من المستغرب في ضوء هذا الاتجاه أن يتوقع بعض الناس الوصول إلى نقطة «التفرد»، عندما تتجاوز أنظمة الذكاء الاصطناعي الذكاء البشري، من خلال تحسين عملها بتعقل. وعند هذه النقطة، سواء كان ذلك في عام 2030 أو بحلول نهاية القرن، تكون الروبوتات تولت الأمر حقاً، ويكون الذكاء الاصطناعي جَعَل الحرب، والفقر، والمرض، بل وحتى الموت ذكريات من الماضي.
ولكل هذا، أقول: «استمروا في الحلم». فلا يزال الذكاء العام الاصطناعي مجرد حلم. فمن الصعب للغاية ببساطة ترويضه والسيطرة عليه. وفي حين قد يتحقق هذا الحلم في يوم من ذات الأيام، فمن المؤكد أن هذا لن يحدث في مستقبلنا المنظور، ولكن تظل تطورات كبرى تلوح في الأفق، وكثير من هذه التطورات تعطينا الأمل في المستقبل.
على سبيل المثال، من الممكن أن يجعل الذكاء الاصطناعي المشورة القانونية الجديرة بالثقة متاحة لعدد أكبر من الناس، وبتكلفة منخفضة للغاية. ومن الممكن أن يساعدنا في معالجة أمراض مستعصية على العلاج حاليا وتوسيع القدرة على الحصول على المشورة الطبية الجديرة بالثقة، من دون الحاجة إلى أطباء متخصصين إضافيين.
وفي مناطق أخرى، ينبغي لنا أن نتوخى التشاؤم الحَذِر بشأن المستقبل. ذلك أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي لا تخلو من عواقب عسكرية وأخرى تتعلق بالخصوصية الفردية والتوظيف. فالأسلحة الآلية التشغيل والتوجيه موجودة بالفعل، وربما تصبح في نهاية المطاف قادرة على اختيار أهدافها بشكل ذاتي.
ومع اكتساب الحكومات والشركات المتعددة الجنسيات المزيد من القدرة على الحصول على البيانات الضخمة، تُصبِح المعلومات الشخصية عنا عُرضة لخطر الاختراق على نحو متزايد. ومع تولي الذكاء الاصطناعي المزيد من الأنشطة الروتينية، فسوف يفقد العديد من المهنيين مهاراتهم ويضطرون إلى النزوح. وسوف تتغير طبيعة العمل ذاتها، وربما نحتاج إلى النظر في توفير «دخل شامل»، على افتراض أن القاعدة الضريبية ستظل كافية لتمويله.
وتتلخص إحدى العواقب المختلفة التي لا تقل إزعاجاً للذكاء الاصطناعي في أنه ربما يصبح بديلاً للتواصل البشري المباشر. ولنتأمل هنا، على سبيل المثال، العناء المتمثل في محاولة الوصول إلى شخص حقيقي على الهاتف، فقط لكي نجد برنامجاً يمررنا من قائمة آلية إلى أخرى.
وربما يكون هذا مزعجاً للغاية لأنك لا يمكنك الحصول على الإجابة التي تحتاج إليها من دون تدخل من الذكاء البشري. أو ربما يكون محبطاً على المستوى العاطفي بسبب منعك من التعبير عن مشاعرك لبشر مثلك يفهمك وربما حتى يشاطرك مشاعرك.
وهناك أمثلة أخرى أقل تفاهة، وأنا قلق بشكل خاص إزاء استخدام أجهزة الكمبيوتر كمقدمي رعاية أو مرافقين للمسنين. من المؤكد أن أنظمة الذكاء الاصطناعي المتصلة بالإنترنت والمزودة بتطبيقات شخصية من الممكن أن تعمل على إعلام شخص وحيد والترويح عنه، كما يمكنها مراقبة العلامات الحيوية وتحذير الأطباء أو أفراد الأسرة عند الضرورة.
ومن الممكن أن تثبت الروبوتات المنزلية كونها مفيدة للغاية في جلب الطعام من الثلاجة وإنجاز مهام أخرى منزلية. أما قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي على توفير الرعاية الحقيقية أو الرفقة، فهذا أمر آخر مختلف تماماً.
يفترض أولئك الذين يعتقدون أن هذا أمر ممكن أن معالجة اللغة الطبيعية ستكون كافية لأداء المهمة. ولكن «المهمة» تشمل إدارة محادثات مشحونة بالعاطفة حول ذكريات شخصية لدى الناس. وفي حين قد يكون نظام الذكاء الاصطناعي قادراً على إدراك نطاق محدود من المشاعر من خلال المفردات التي يستخدمها الشخص أو طبقة صوته أو وقفاته أو تعبيرات وجهه، فهو لن يتمكن أبداً من محاكاة الاستجابة البشرية المناسبة.
فربما يقول «يؤسفني حزنك بسبب هذا الأمر»، أو «يا له من شيء جميل أن يحدث ذلك!». ولكن أي من العبارتين قد تصبح بلا معنى حرفياً. فربما يشعر شخص معتوه «بالارتياح» عندما يسمع مثل هذه الكلمات، ولكن بأي ثمن من كرامته الإنسانية؟
البديل بطبيعة الحال هو الإبقاء على البشر في أدوارهم. وبدلاً من الحلول محل البشر، يمكن جعل الروبوتات مساعِدة للبشر. الواقع أن العديد من الوظائف التي يقوم بها بشر من أجل بشر والتي تنطوي على رعاية بدنية وعاطفية لا تحظى بما تستحقه من تقدير.
ومن الناحية المثالية، سوف تكتسب مثل هذه الوظائف قدراً أكبر من الاحترام والمكافأة في المستقبل، ولكن لعل كل هذا لا يخرج عن كونه مجرد أماني. في نهاية المطاف، سوف يكون مستقبل الذكاء الاصطناعي - مستقبل ذكائنا الاصطناعي - مشرقاً. ولكن كلما أصبح أكثر إشراقا، ألقى بالمزيد من الظلال على حياتنا.
* أستاذة بحوث العلوم الإدراكية بجامعة ساسكس في المملكة المتحدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق