الخميس، 23 يونيو 2016

قصص من حياة مشاهير قرّاء القرآن في مصر








أصوات ملائكية تعيد مستمعيها لزمن جميل كان أبطاله المشاهير من قراء القرآن الكريم، إنها أصوات أبنائهم وأحفادهم الذين توارثوا الصوت وعشق تلاوة القرآن وساروا على درب الآباء، من بينهم "طارق" ابن الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، و"علاء" حفيد القارئ مصطفى إسماعيل، و"محمد" نجل الشيخ الطبلاوي، و"أحمد" ابن القارئ المعروف محمود علي البنا، و"محمود" السعيد عبدالصمد الزناتي.


بعضهم سار على نهج الوالد وعمل في المجال نفسه قارئاً للقرآن، والبعض الآخر سلك طريقاً مختلفاً من جهة المهنة، لكن الجميع جمعهم حب تلاوة القرآن بصوت الوالد أو الجد، والفخر بالعيش في جلباب الأب وعمامته.

صحيفة "هافينغتون" التقت واستمعت لأبناء وأحفاد اثنين من أشهر قراء القرآن الكريم في العالم العربي وهما الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، والشيخ مصطفى إسماعيل، فماذا قالا عن ذكريات الزمن الجميل؟ ولماذا اختارا العمل بغير قراءة القرآن رغم عشقهما لتلاوة القرآن بأصوات الشيخين الراحلين؟

الشيخ مارلون براندو "قارئ مكة"!

لم تمنعه قراءة القرآن من ارتداء أفخر الثياب، واقتناء السيارات الفارهة وارتياد الفنادق الشهيرة، وكان يرى أن قارئ القرآن يجب أن يهتم بمظهره أكثر من أي شخص آخر، لهذا أُطلق عليه "الشيخ مارلون براندو"، هكذا كان البعض يصف الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، الذي توفي عام 1988 عن عمر يناهز 60 عامًا.

ورغم أن الشيخ عبدالباسط كان ينزعج كثيرًا عندما يطلق عليه هذا اللقب؛ لأنه اسم ممثل أجنبي، إلا أن اللقب ظل ملتصقًا به لاهتمامه الشديد بأناقته، فقد كان يتناول الطعام في أفخم الفنادق ويلبس أفخر الثياب، لكنه أشتهر أيضاً بلقب "قارئ مكة" لأنه أول مصري يقرأ القرآن الكريم في الحرمين الشريفين في موسم الحج بناءً على طلب من السلطات السعودية أوائل عقد الخمسينيات من القرن الماضي.

وقد أنجب الشيخ عبدالباسط "أحد عشر كوكبا"، كما كان يحب أن يطلق على أبنائه، 4 إناث و7 ذكور، جميعهم يحفظون القرآن الكريم حفظاً كاملاً بالتجويد، لكن لم يعمل في مجال القراءة سوى اثنين فقط من الأبناء هما: الشيخ ياسر عبدالباسط الذي تفرغ لقراءة القرآن الكريم، والشيخ طارق عبدالباسط وهو لواء شرطة يمارس القراءة كهواية.

طارق عبدالباسط: أعيش في جلباب أبي

لا يختلف الشيخ طارق عن والده في أناقته، وعندما تستمع إليه يُخيل إليك أنك تسمع الشيخ عبدالباسط بنفسه. ورغم أنه اتجه إلى كلية الشرطة لا الأزهر وعمل ضابطاً في وزارة الداخلية، فإنه متمكّن من التلاوة لأن والده أحضر له ولأشقائه شيخاً يحفظهم القرآن في المنزل وهم صغار.

وبعدما حصل على ليسانس الحقوق وتخرج في كلية الشرطة التحق طارق بمعهد القراءات في الأزهر ليحصل على إجازة التجويد، ونال عضوية نقابة قراء القرآن.

لهذا يقرأ الشيخ طارق القرآن وهو يرتدي البدلة، لكنه يؤكد أنه يرتديها في القاهرة فقط، أما عندما يسافر إلى دول أوروبا وأميركا فيحرص على ارتداء الزيّ الأزهري؛ "لأن هناك ارتباطاً في أذهان الناس - خاصة في الخارج - بين قارئ القرآن والأزهر وزيّه"، حسب وصفه.

ويجمع اللواء طارق عبدالباسط عبدالصمد بين العمل كضابط في وزارة الداخلية وقراءة القرآن: "كنا أنا وإخوتي متعلقين بالقرآن، وكنا دائماً نحاول تقليد والدنا في طريقة تلاوته للقرآن الكريم بعد الاستماع إليه في سهرة أو حفلة، وكان دائماً ما يُبدى اندهاشه وكان يقول إنه يستمع إلى صوت أقرب إلى صوته".

ويضيف: "أنا سعيد بأن أعيش في جلباب أبي وأن أظل أقرأ القرآن مثله، وأجمع في الوقت نفسه بين عملي كضابط وقراءة القرآن، وشجعني على هذا وزير الداخلية الأسبق عبدالحليم موسى، فقد كانت له ميول صوفية، وقد رفض قبول استقالتي، وطلب مني الاستمرار في وظيفتي وقراءة القرآن الكريم معاً، معتبراً أن هذا سيسهم في تغيير الفكرة عن الشرطة".

عمامة في صفوف حفل أم كلثوم

ويروي الشيخ طارق سر لقب "مارلون براندو العرب" الذي كان يُطلق على الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، قائلاً إن "الوالد كان مؤمناً بأن قارئ القرآن الكريم لابد أن يظهر بمظهر جيد ويرتدي ملابس تليق بما يفعله، وكان يسعى من خلال ذلك أيضاً إلى تغيير الصورة الذهنية النمطية التي يعززها الإعلام في أذهان الناس عن قارئ القرآن الكريم، وبالفعل نجح في تغيير هذه الصورة، كما أنه كان وسيماً ويحرص على وضع العطور الحديثة، ويحب دائماً ارتياد أفضل الفنادق والسفر".

ويقول طارق إن الشيخ عبدالباسط كان يحب الطرب والأصوات الجميلة، كما أنه كان يعزف العود وكان يحب محمد عبدالوهاب وفيروز ويحرص على حضور بعض حفلات كوكب الشرق أم كلثوم في الأوبرا، حتى أن أحد مذيعي حفلات أم كلثوم كان يقول: "وأرى عمامة في أحد الصفوف وهي عمامة الشيخ عبدالباسط عبدالصمد".

أنديرا غاندي وعبدالناصر من محبي سماعه
كما أنه كان يمتلك أسطوانات "أغانٍ هندية"، إذ ذهب ذات مرة إلى الهند وقدم حفلة في استاد رياضي لكثرة المستمعين من محبيه، وقد حضرت هذه الأمسية السيدة أنديرا غاندي لسماع القرآن الكريم.

وقد طلب منه الرئيس الراحل عبدالناصر قراءة القرآن الكريم في حفل افتتاح السد العالي، وكان الملك محمد الخامس، ملك المغرب، الذي يعشق صوته يطلبه لقراءة القرآن بالمغرب، وكان الرئيس الراحل السادات يدعوه أيضاً لقراءة القرآن في احتفالات نصر أكتوبر، وكان شاهداً على حادث المنصة الذي اغتيل فيه الرئيس السادات عام 1981.

وعن علاقات والده بالسياسة يقول: "كان والدي بعيداً عن السياسة تماماً، وحاولت جماعة الإخوان ذات مرة إقناعه بالترشح لمجلس الشعب لكنه رفض، فقد كان متفرغاً لقراءة القرآن الكريم".

حفيد الشيخ مصطفى إسماعيل "القارئ الطيار"

وهب الله الشيخ مصطفى إسماعيل صوتاً ملائكياً، كما يصفه الكثيرون، أسر به قلوب المستمعين سنوات طويلة، منذ بداية قراءته للقرآن في العهد الملكي، وكان يشتهر باسم "قارئ الفقراء والملوك"، وكانت له جلسة قراءة في ليالي رمضان بقاعة الملك فاروق يحضرها الوزراء وكبار رجال الدولة.

وأطلقت عليه الصحف والمستمعون ألقاباً عديده منها: "كروان القرآن"، "مقرئ الملك"، "مقرئ الفقراء"، "مقرئ الشعب"، وغيرها من الألقاب المرتبطة بتجويد القرآن الكريم.

يحكي "علاء حسني"، حفيد الشيخ مصطفى إسماعيل، الذي تربى على يد جده الشيخ في القاهرة بعد وفاة والده، وظل معه حتى سن الخامسة عشرة: "حين توفي جدي التحقت بالعمل في شركة مصر للطيران، كطيار، ولم أعش في جلباب جدي كقارئ للقرآن، لكني أحفظ القرآن وأرتله على طريقة جدي".

وعن سبب تفضيله العمل في "مصر للطيران" على أن يصبح قارئاً محترفاً، خاصة أنه ورث عن جده عذوبة الصوت ويحفظ القرآن الكريم، يقول إن الأوضاع تغيرت بعد عام 1967 وانتهت حالة الحرية والديمقراطية، وانتشرت الوساطة والمحسوبية والشللية، وأصبحت قراءة القرآن مجرد تقليد للماضي من دون إبداع".

وأضاف: "هذا الوضع لا يسمح لأحد بظهور نجمه ربما إلا من خلال تقديم فروض الولاء والتملق، وهذه الصفات لا تستهويني؛ لذا آثرت أن تكون لي وظيفتي الخاصة بشركة مصر للطيران وأشبع موهبتي بالقراءة للعائلة في المناسبات المختلفة".

قصة رحلة للقدس مع السادات

ويروي "عاطف"، نجل الشيخ مصطفى إسماعيل، قصة رحلته للقدس مع السادات قائلاً: "قبل عيد الأضحى بيومين كان الشيخ مصطفى يحمل حقائبه متجهًا إلى قريته لقضاء إجازة العيد برفقة زوجته وابنته، وقبل أن يستقلوا السيارة تذكر أنه نسي منديله المعطر الذي لا يفارق جيبه، وعند عودته كان جرس التليفون يرنّ". وتابع أنه فوجئ بأن القصر الجمهوري يطلبه قائلاً: "يا شيخ مصطفى جهز شنطتك.. إنت هتسافر بكرة مع الريس للقدس". ويتذكر الابن عاطف تفاصيل تلك الزيارة رغم أنه كان في ألمانيا، وكانت الصحف الألمانية قد نشرت جدول الرحلة، ويقول إنه مازال يحفظ رقم فندق داوود بالقدس "00972222" وكذلك غرفة والده رقم "26" بالدور الخامس. ويحكي عن مشاعر والده عن قراءة القرآن في القدس قائلاً: "كان مبسوط جداً.. وقال لي ربنا كتبلي أقرأ كلامه في الأقصى تاني بعد الاحتلال"، وقرأ الشيخ قرآن صلاة العيد في أولى القبلتين قبل ساعات من خطاب السادات الشهير بالكنيست. واعتاد الشيخ إسماعيل أن يناجي الله بقوله: "يا رب لك الحمد والشكر، على نعمة صوتي فلا تسلبني إياه، واقبضني معه"، ويوصينا قائلاً: "يا ولاد.. النعم اللي إحنا فيها دي من بركة القرآن وزي ما أعطاها لي ممكن يسلبها مني.. ربنا سبحانه وتعالى بيدّي كل واحد موهبة على قد قدراته.. لما تسمع شيخ بيقرأ تقول على طول ربنا يفتح عليه وبس.. إوعدني تعمل كده عشان ربنا ميسحبش من جدك النعمة اللي عنده".

أحبه الملك فاروق ونجيب والسادات

وكان للشيخ مصطفى إسماعيل مكانة كبيرة في قلب ملك مصر "فاروق"، حتى أنه عندما علم بأنه يقيم بطنطا وليس لديه بيت في القاهرة استضافه في جناح له بفندق شبرد كان يستضيف به ضيوفه بعدما عينه قارئاً للقصر.

وعقب ثورة 1952، احتضنه الرؤساء السابقون على التوالي، حيث كان أول من قرأ القرآن قبل أول خطاب للرئيس الراحل محمد نجيب، كما كان السادات يستقبله بالأحضان والقبلات لحب السادات لتلاوته.

وعلى غرار الشيخ عبدالباسط، سعى الشيخ مصطفى إسماعيل لترك الحرية لأبنائه البنات في تعلم ما يرغبن فيه، فأحضر لبناته بيانو في المنزل ليتعلمن الموسيقى.
المصدر/ هافينغتون بوست عربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق