الجمعة، 12 أغسطس 2016

شعراء الصحابة رضي الله عنهم محمد عبده يماني





شعراء الصحابة رضي الله عنهم  
محمد عبده يماني  

ظل الشعر في مكة صامتا عما كان يدور في أنديتها من أحاديث وأحداث عن الدين الذي دعا اليه سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وظل الشعراء هائمين في أودية الهوى والعبث . كان في المدينة شعراء مرموقون قبل أن يأتي الاسلام الى ديارهم ثم صاروا حملة لوائه والمدافعين عن رسالته بعد اسلامهم ، ومن أشهر شعراء الصحابة حسان بن ثابت الأنصاري الذي استحق أن يكون شاعر النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كان في الجاهلية شاعر الغساسنة في بلاد الشام وكذلك عبد الله بن رواحة ، وكعب بن مالك ، وكعب بن زهير وغيرهم .
وكان في الصحابة كثير من الشعراء ، رغب بعضهم عن الشعر اشتغالا بالدعوة الى الله وعبادته والجهاد في سبيله ، ومن هؤلاء لبيد بن ربيعة العامري ، وهو مـن شعراء المعلقات ،  وقد اضرب عن قول الشعر وظل بعضهم يشحذ قريحته انتصارا للاسلام ودفاعا عن الحق. وتأخر اسلام بعضهم حتى جاء نصر الله والفتح فانضموا الى شعراء الاسلام وصاروا من جنده المخلصين ، ومن هؤلاء ابو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وعبد الله بن الزبعرى وغيرهم .
وسوف احاول في هذا الفصل ان القي الضوء على أشهر هؤلاء الشعراء مع نبذة من أخبارهم ، وذكر بعض أشعارهم:ـ

1- حسان بن ثابت الأنصاري الخزرجي : الشاعر المشهور في الجاهلية والاسلام ، وقد كان من شعراء الغساسنة في الشام ومدحهم بقصائد رائعة ، وهو من الشعراء المعمرين ، عاش ستين سنة في الجاهلية ، ومثلها أو ما يقاربها في الاسلام ، وهو شاعر النبي صلى الله عليه وسلم وشاعر اليمن كلها في الاسلام ، كان يرد على شعراء قريش الذين يتعرضون للاسلام بهجائهم ، أو يتجرؤون على النبي صلى الله عليه وسلم بقولهم ، وقد استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الرد على أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب حين هجا النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم ، فأذن له وفي أبي سفيان قال همزيته المشهورة:ألا أبلغ أبا سفيان عــنيمغلغلة فقد برح الخفاءهجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاءأتهجوه ولست له بكـفء فشركما لخير كما الفداءفان أبي ووالده وعرضـي لعرض محمد منكم وقاء
وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يضع لحسان المنبر في المسجد يقوم عليه قائما يهجو الذين كانوا يهجون النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان روح القدس مع حسان مادام ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "
وفي الصحيحين أن سيدنا عمر  رضي الله عنه مر بحسان في المسجد وهو ينشد فلحظ اليه ، فقال حسان : كنت أنشد وفيه من هو خير منك ، ثم التفت الى أبي هريرة فقال : أنشدك الله أسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقـول: " أجب عني اللهم أيده بروح القدس قال: نعم. وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لحسان : أهجهم أو هاجهم وجبريل معك " .
لم يحضر حسان بدرا ، ولكنه قال في بدر شعرا كثيرا ، ومن ذلك قوله:فوافينـاهـم منـا بجمـع كأسد الغبل مردان وشيبأمـام محمـد قـد آزروه على الأعداء في لفح الحروبفغادرنـا أبا جهل صريعـا وعتبة قد تركنا في الجبوب
وقال رضي الله عنه كثيرا من الشعر في مدح النبي صلى الله عليه وسلم ، ووصف محاسنه الخلقية والخلقية ، فمن ذلك قوله : وأحسـن منك لم تر قط عيني وأجمل منـك لم تلد النساءخلقـت مـبرأ من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء
وقال يمدحه عليه الصلاة والسلام :يا ركن معتمد وعصمة لائـذ وملاذ منتجع وجار مجــاوريا من تخيـره الالـه لخلقـه فحباه بالخلق الزكي الطاهـرانت النبي وخير عصبـة آدم يا من يجود كفيض بحر زاخر
وحين أصيب المسلمون بالنبي صلى الله عليه وسلم ، قال مرثيته التي يبكيه فيها وقد بلغت أبياتها ستة وأربعين بيتا ، نختار منها هذه الأبيات :بطيبـة رسـم للرسـول ومعهد منير وقد تعفو الرسوم وتهمدظللت بها أبكي الرسول فأسعدت عيون ومثلاها من الجفن تسعدمفجعة قد شفهـا فقـد احـمد فظلت لآلاء الرسول تعـددأطالت وقوفا تذرف العين جهدها على طلل القبر الذي فيه أحمدفبوركت يا قبر الرسول وبوركت بلاد ثوى فيها الرشيد المسددوقد بلغت قصائد حسان في بكاء النبي صلى الله عليه وسلم ورثائه أكثر من أربع قصائد، يقول في احداها :ما بـال عينـك لا تنام كأنما كحلت مآقيها بكحل الأرمـدجزعا على المهدي أصبح ثاويا يا خير من وطىء الحصى لا تبعدوجهي يقيك الترب لهفي ليتني غيبت قبلك في بقيع الغرقــد
رحم الله حسانا ما كان أصدقه في حب رسول الله صلى عليه وسلم والدفاع عنه ، والحماسة للاسلام حتى استحق أن يلقب بشاعر الرسول.

2- كعب بن مالك الأنصاري السلمي : كان رضي الله عنه من السابقين الى الاسلام ، شهد العقبة الثانية وبايع بها ، وشهد أحدا وما بعـدها ، وتخلف عن تبوك ، وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم ، وقد روى قصة توبته وتوبة صاحبيه بنفسه فرواها الشيخان في حديث طويل مؤثر  ، ذهب بصره في خلافـة معاوية رضي الله عنه ، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن أسيد بن حضيـر ، وروى عنه أولاده ، عبد الله وعبد الرحمن وعبيد الله ومعبد ومحمد ، وروى عنه ابن عباس وجابر وأبو أمامة الباهلي وغيرهم ، روى البخاري انه رثى عثمان بن عفان وقد توفى في خلافة معاوية .
غاب كعب بن مالك عن بدر ، فلما بلغه خبر النصر أنشأ قصيدة يصف فيها فرحته، ومما قال فيها : عجبت لأمـر الله والله قـادر على ما أراد ليـس لله قاهـرقضى يوم بدر أن نلاقي معشرا بغوا وسبيل البغي بالناس جائرشهدنا بأن الله لا رب غـيره وأن رسول الله بالحـق ظاهر
فلما كانت أحد كان حاضرا ، وأبلى بلاء حسنا ، وقد رثى سيد الشهداء حمزة ابن عبد المطلب رضي الله عنه ومن رثائه قوله :بكت عيني وحق لها البكاء وما يغني البكاء ولا العويلعلى أسد الاله غداة قالوا لحمزة ذاكم الرجل القتيل
قال كعب شعرا كثيرا في الرد على شعراء قريش ، وحضر حنينا والطائف ومما قاله حين سار المسلمون الى الطائف  يدعو ثقيفا الى الاسلام : فان تلقوا الينا السلم نقبل ونجعلكم لنا عقدا وريفا وان تأبوا نجاهدكم ونصبر ولايك أمرنا رعشا ضعيفالأمر الله والاسـلام حتىيقوم الدين معتدلا حنيفا
رحم الله كعبا ما أبره وأصدقه ، واعلى في جنات الخلد مقامه !!

3-كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني: روى كعب الشعر عن أبيه ، وأخذ عنه طريقته في تنقيح الشعر حتى أجازه ، رحل مع أبيه زهير الى النعمان بن المنذر ، ولقيا هناك النابغة الذبياني فأعجب بكعب وكان صغيرا ، ومازال كعب يعالج الشعر حتى عد من كبار الشعراء.
اسلامه:كان يرعى غنما له مع أخيه بجير في أبرق قريبا من المدينة ، فقال بجير لأخيه كعب:  أثبت حتى آتي هذا الرجل فأسمع ما يقول ، فسمع بجير خيرا وأعجبه الاسلام فأسلـم ، وبلغ الخبر كعبا فغضب وأنشأ شعرا لام فيه أخاه ، وعرض فيه بالاسلام  وبالنبي صلى الله عليه وسلم ، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه ، فلما علم كعب بذلك ركبه خوف شديد ، وضاقت عليه الأرض ، فأرسل اليه أخوه   ينصحه أن يأتي ويسلم ويطلب الأمان لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتل أحدا أسلم ، فأنشأ كعـب قصيدتـه الرائعة " بانت سعـاد .. " ثم أتى المدينة ، وصلى الفجر مع المسلمين ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم ثم قال : الأمان يا رسول الله ، أنا كعب بن زهير ، فعفا عنه ، ثم استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن ينشد فأذن له ، فقال قصيدته الرائعة " بانت سعاد " وتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم فرحا باسلامه . فلما انتهى كعب خلع عليه رسـول الله صلى الله عليه وسلم بردة كان يلبسها ، فاغتبط كعب وزال ما كان يركبه من الهم والخوف . وقد توارث البردة أولاده حتى كانت خلافة معاوية رضي الله عنه فاشتراها تبركا ، وهي التي توارثها الخلفاء الأمويون ، ثم العباسيون يلبسونها في الأعياد.
وقد ظفرت قصيدة " بانت سعاد " باهتمام الدارسين والنقاد لما فيها من جمال الأسلوب وروعة المعاني ، وقد بلغ عدد أبياتها ثمانية وخمسين بيتا ، استغرق الغزل منها خمسة وثلاثين ، ومن أبيات هذه القصيدة :بانت سعاد فقلبي اليوم متبـول متيم اثرها لم يفـد مكبـولوقال كل صديق كنت آملــه لا ألهينك اني عنك مشغـولفقلت خلوا سبيلـي لا أبالكـم فكل ما قدر الرحمن مفعـولكل ابن انثى وان طالت سلامته يوما على آله حدباء محمولنبئت ان رسول الله أوعـدنـي والعفو عند رسول الله مأمولمهلا هداك الذي أعطاك نافلـة القرآن فيها مواعيظ وتفصيلان الرسول لنور يستضـاء بـه مهند من سيوف الله مسلول كان اسلام كعب بعد الفتح ، وبعد حنين ، وقد قال في الاسلام شعرا كثيرا ، وهو معدود من كبار شعراء الصحابة ، من طبقة حسان ، وقال خلف الأحمر : لولا قصائد لزهير ما فضلته على ابنه كعب ، وكان لكعب ولدان شاعران هما عقبة والعوام. ومن جيد ما قال في الاسلام من الشعر أبيات في القدر:لو كنت أعجب من شيء لأعجبني سعي الفتى وهو مخبوء له القدريسعى الفتى لأمور ليس يدركهـا فالنفس واحدة والهم منتشـروالمرء ما عاش ممدود له أجــل لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر
عاش كعب حتى توفى سنة ست وعشرين في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
رحم الله كعبا فانه قال في الاسلام اجمل قصائده ، وأروع ماقيل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في الغزل والمدح والاعتذار.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق