مفهوم الثقافة الإسلامية
د. محمد بن عبدالله بن صالح السحيم
تاريخ الإضافة: 15/12/2013 ميلادي - 11/2/1435 هجري
شبكة الألوكةتاريخ الإضافة: 15/12/2013 ميلادي - 11/2/1435 هجري
مفهوم الثقافة الإسلامية
أ- تعريف الثقافة في اللغة:
استعمل العرب مادة «ثَقَفَ» بمعان متعددة يرجع بعضها إلى أمور معنوية، كما يرجع بعضها إلى أمور حسية، وإن كانت دلالتها على الأمور المعنوية أكثر من دلالتها على الحسيات[1].
فمن الأمور المعنوية:
الحذق، الفطنة، الذكاء، التهذيب، الظفر، التأديب، المصادفة، سرعة أخذ العلم وفهمه، ضبط المعرفة المتلقاة[2].
ومن المعاني الحسية:
تقويم المعوج، التسوية، كتسوية الرماح والسيوف، إدراك الشيء والظفر به، الغلبة، الأخذ في قوة، الإصلاح، الوجود. وقد وردت كلمة «ثقف» في القرآن بما يتضمن هذه المعاني كقوله تعالى: ﴿ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً﴾ [الممتحنة: 22].
ومن مجموع ما سبق نستنتج أن الدلالات اللغوية لمصطلح الثقافة واسعة ومتنوعة، تتناول الجانب المعرفي والجانب السلوكي.
أما عند الغرب فيدور معنى الثقافة في أصلها اللاتيني على فلاحة الأرض وتنمية محصولاتها، ثم توسعت لتشمل المعنى المادي الحسي كما سبق، وتنمية العقل والذوق والأدب بالمعنى المعنوي[3].
ب - تعريف الثقافة في الاصطلاح:
إن مصطلح الثقافة لم يُعرَّفْ تعريفًا واضحًا قاطعًا للجدل فكان معناها الاصطلاحي أوسع من معناها اللغوي الذي سبق بيانه فتعددت الآراء حول مفهومها الاصطلاحي، ونكتفي بتعريف المجمع اللغوي الذي عرفها بقوله: «جملة العلوم والمعارف والفنون التي يُطْلَبُ العلم بها والحِذْقُ فيها»[4].
ج- العلاقة بين الثقافة وغيرها من المعارف:
هناك علاقة وطيدة بين الثقافة والعلم، وبينها وبين الحضارة، لذا يحسن بيان هذه العلاقات بين الثقافة وهذه المعارف المختلفة.
أولاً: العلاقة بين الثقافة والعلم:
العلم جملة من المعارف المتنوعة التي يحصل عليها المتعلم، والثقافة كذلك[5]. فتقوم العلاقة بينهما على التشابه والتكامل.
أما من ناحية الاختلاف فتتميز الثقافة بالتنوع والشمول، فمن أخذ شيئًا من كل شيء فقد أصبح مثقفاً، وأما العلم فيتميز بالتخصص، فمن أخذ كل شيء تقريبًا من شيء واحد فقد أصبح عالماً، والثقافة طابعها شخصي تختلف من ثقافة أمة لأخرى فثقافة الوثني والنصراني والهندوسي... إلخ. تختلف عن بعضها البعض، لأن كل ثقافة تستمد عناصرها من تصورها الديني في المقام الأول. أما العلم فطابعه موضوعي تتحد فيه النتائج، فالماء مثلاً يتكون من ذرات من الأكسوجين بالإضافة إلى ذرات من الهيدروجين (H2 O) وهذا في كل الثقافات.
فيتبين مما تقدم أنّ ميدان الثقافة أوسع من ميدان العلم، وإن كان العلم يخدم الثقافة ويرشدها، فهي لا تستغني عن العلم.
ثانيا: العلاقة بين الثقافة والحضارة:
الحضارة تتناول جملة من مظاهر الرقي العلمي والفني والأدبي والاجتماعي التي تنتقل من جيل إلى آخر في جوانب الحياة المادية، أما الثقافة فهي جملة العلوم والمعارف التي يطلب الحذق فيها، فالثقافة تهتم بالجوانب المعنوية والحضارة ألصق بالماديات، وهذا الفرق في الجانب النظري فقط.
أما في الجانب العملي فهما يرتبطان مع بعضهما ارتباطًا وثيقًا؛ لأن ثقافة كل أمة هي أساس حضارتها وفكرها وأسلوب حياتها[6]، فالثقافة والحضارة متفقتان من هذه الناحية.
فالثقافة هي المظهر العقلي للحضارة، والحضارة هي المظهر المادي للثقافة.
د- تعريف الثقافة الإسلامية اصطلاحًا:
لكل أمة ثقافة خاصة بها، وأمة الإسلام تنفرد ثقافتها عن ثقافة سائر الأمم حيث تكتسب تميزها الخاص بين الثقافات في تحديدها أولاً، وفي مقوماتها وعناصرها وخصائصها ثانيًا[7].
إن تعريفات الثقافة الإسلامية متعددة ويرجع هذا التعدد إلى:
1- جدية هذا المصطلح وحداثته.
2- اختلاف تصورات العلماء المعاصرين حول هذا المصطلح[8].
وأقرب تعريف لها أنها: «معرفة مقومات الأمة الإسلامية العامة بتفاعلاتها في الماضي والحاضر، من دين، ولغة، وتاريخ، وحضارة، وقيم، وأهداف مشتركة بصورة واعية هادفة»[9].
♦ ♦ ♦ ♦
أهمية الثقافة الإسلامية
تتجلى أهمية الثقافة الإسلامية بالنظر إلى أهدافها وآثارها.
أ -أهداف دراسة الثقافة الإسلامية:
من أهم أهداف دراسة الثقافة الإسلامية ما يلي[10]:
1- تقديم التصور الصحيح الكامل والشامل للحياة والإنسان والكون من خلال تحديد علاقة الإنسان بربه وعلاقته بنفسه والآخرين وبالكون أجمع.
2- إمداد الدارس بحصيلة مناسبة من المعارف المتعلقة بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة، وحضارة بوصفه دينًا عامًّا صالحًا للبشرية في كل زمان ومكان، وهذا يعطيه حصانة ضد تيارات الإلحاد المختلفة.
3- تنمية روح الولاء للإسلام وتقديمه على ما سواه من صور الانتماءات الأخرى؛ مثل القومية والعرقية أو العنصرية؛ لأنّ الولاية تكون لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين. أي الولاء لما جاء في كتاب الله عزَّ وجلَّ وسنّة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
4- إبراز النظرة الشمولية للإسلام باعتباره كلاًّ مترابطًا متكاملاً، لا ينفصل فيه أصل أو فرع عن آخر، والتخلص من النظرة الجزئية له التي تقصره على بعض جوانب الحياة، مثل دعوى الالتزام بالفروض الخمسة، وأخذ الاقتصاد أو السياسة أو الاجتماع، أو تصور الكون بعيدًا عن العقيدة والشريعة.
5- تحصين الدارس ضد الغزو الفكري بأساليبه ووسائله المختلفة والذي يهدف إلى تمييع الشخصية الإسلامية، أو إذابتها في الشخصية الغربية.
6- تجلية موقف الإسلام من قضايا العصر في مجالات العلوم النظرية والتطبيقية المختلفة، ونقدها من المنظور الإسلامي.
7- ترجمة الأخلاق والتعاليم الإسلامية إلى واقع عملي وسلوكي ملموس، يعايشه المسلم في حياته العملية اليومية، باعتبار الإسلام نظامًا تطبيقيًّا في الحياة.
8- بيان خصائص الإسلام وسموه، وإظهار وسطيته وقدرته على تحقيق السعادة في الدارين.
♦ ♦ ♦ ♦
ب- آثار الثقافة الإسلامية:
إن أثر الثقافة الإسلامية على كافة الثقافات الأخرى من الأمور المسلَّم بها؛ لأن المسلمين أحرزوا نجاحات باهرة في مناطق شاسعة من العالم، لكن المهم أن يتبين أبناء الأمة موقعهم في هذا العالم، وموقف الأعداء والأصدقاء منهم؛ لأنّ لذلك أثرًا عظيمًا في حياتهم ومستقبلهم، ومن أهم آثارها:
1- أثرت الثقافة الإسلامية على الثقافة الأوربية في مختلف الميادين، ومنها ميدان العقيدة والدين الذي ظهر في حركات الإصلاح الدينية التي قامت في أوروبا منذ القرن السابع حتى عصر النهضة الحديثة، فَوجِدَ عندهم من ينكر عبادة الصور، ومن ينكر كذلك الوساطة بين الله وبين عباده، ومن ينكر الاعتراف أمام القسيس؛ لأنه لا حق له في ذلك بل يتضرع الإنسان إلى الله وحده في غفران ما ارتكب من إثمٍ. وأكد كثير من الباحثين أنّ «لوثر» في حركته الإصلاحية كان متأثرًا بما قرأه للفلاسفة العرب والعلماء المسلمين، من آراء في الدين والعقيدة والوحي[11] وكان هذا التأثير عبر منافذ عدة: عن طريق بلاد الشام، وصقلية، والأندلس وغيرها.
2- انتشار الإسلام وثقافته في الشرق الأقصى مع حركة التجار التي كانت إحدى قنوات الاتصال المهمة حيث نقل التجار المسلمون الكثير من مظاهر الثقافة الإسلامية إلى مختلف الشعوب في قارة آسيا وأفريقيا.
3- كما انتشرت الثقافة عبر حركة الترجمة حيث تُرجِمَتْ أمهات الكتب العربية والإسلامية إلى اللغات الأخرى في مختلف ميادين العلم والفلسفة في القرون الوسطى وعصر النهضة، وبداية العصر الحديث، ولذا ظهر الأثر البارز للثقافة الإسلامية على غيرها.وقد شهد العديد من الباحثين والمفكرين الغربيين على ذلك الأثر القوي الذي أحدثته الثقافة الإسلامية[12].
على الرغم من هذه الآثار إلا أنه يلحظ في دراسة كثير من المستشرقين التهميش والتجهيل والإنكار لمآثر العرب والمسلمين في العلوم والفلسفة، ويرجع سبب ذلك إلى تلك الصورة المشوهة عن المسلم وثقافته حتى أصبح الإسلام بموجبها عنصر جمود وتخلف في نظرهم، مع تجاهل إبداعاته.
[1] نظرات في الثقافة (ص:11).
[2] معجم مقاييس اللغة، مادة: ثقف (1/382)، ولسان العرب مادة ثقف، والمعجم الوسيط، مادة: ثقف.
[3] المورد (ص: 238).
[4] المعجم الوسيط مادة «ثقف» (1/98).
[5] المرتكزات الأساسية في الثقافة الإسلامية (ص:31).
[6] لمحات في الثقافة الإسلامية (ص:42).
[7] الثقافة الإسلامية تخصصًا ومادة وقسمًا علميًّا (ص: 13).
[8] من التعريفات الجامعة التي تربط بين العلم والعمل والسلوك: «معرفة مقومات الأمة والدين المستفادة من مصادر الكتاب والسنة واجتهادات العلماء علمًا وتطبيقًا». كما عرفت بأنها «العلم بمنهج الإسلام الشمولي في العقيدة والشريعة والأخلاق والحضارة تأثرًا وتطبيقًا».
[9] دراسات في الثقافة الإسلامية (ص:11).
[10] انظر الثقافة الإسلامية تخصصًا (ص: 23)، والمدخل إلى الثقافة الإسلامية (ص:100).
[11] انظر في الثقافة الإسلامية، أحمد نوفل وآخرون (ص:155).
[12] من هؤلاء على سبيل المثال «غوستاف لوبون» في كتابه «حضارة العرب»، و«استانوود كب» في كتابه « المسلمون في تاريخ الحضارة »، و« زيغريد هونكه » في كتابها « فضل العرب على أوربا» و« شمس العرب تسطع على الغرب ».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق