البرنامج الحقيقي" .....للتحول من الانهيار الاقتصادي الي الانتعاش الاقتصادي.

فرناندو كاردوسو..."والبرنامج الحقيقي" .....للتحول من الانهيار الاقتصادي الي الانتعاش الاقتصادي..كثر الحديث في مصر عن الحالة الاقتصادية الصعبة وارتفاع مستوى التضخم وزيادة سعر صرف الجنيه المصري امام الدولار نتيجة لمعاملة الدولار كسلعة تشتري وتباع للربح وليس للتبادل. ولكن لايمكن بأى حال من الأحوال مقارنة حالنا بحال البرازيل قبل عام ١٩٩٤. وصل حينها معدل التضخم الى ٣٠٪ شهريا وليس سنويا وأصبحت الدولة على وشك الافلاس تماما بعد فشل العديد من الخطط الهادفة لإعادة الاستقرار الاقتصادي. قال لي أصدقائي من البرازيل اثناء زياراتي المتكررة ان سعر السلع كان يتغير حينها ثلاثة مرات في اليوم الواحد! وكان الراتب يتغير شهريا في محاولة بائسة لمواكبة التضخم وانحصرت تماما الاستثمارات الخارجية مع تفشي الفساد والجريمة وهما مرادف ومشارك للتدهور الاقتصادي. حاولت الحكومات المتعاقبة بخطوات يائسة الخروج من الأزمة عن طريق خفض الصادرات وتحديد نسب السحب والايداع والتحويل وحتى الوصول الى تجميد الارصدة التى تزيد عن الف دولارفي البنوك ولكنها فشلت تماما في وقف التضخم والانهيار الاقتصادي.فيكف استطاع أستاذ الاجتماع والعبقري فرناندو كاردوسو اخراج البرازيل من هذا النفق المظلم للتحول في سنوات معدودة الى واحدة من اكبر اقتصاديات العالم. لقد وضع كاردوسو وكان وقتها وزيرا للمالية برنامجا للإصلاح الاقتصادي وأسماه "البرنامج الحقيقي" Real plan او باللغة البرتغالية Plano real. وهو برنامج من ثلاثة مراحل تبدأ بان يصدر البرلمان قرارا بإلزام الحكومة بتقديم ميزانية متوازنة بدون عجز او برنامج للاستدانة الداخلية او الخارجية ويلّي ذلك تقديم اُسلوب محدد للتوازن بين المرتبات وعوامل الحركة في السوق وهو ما يسمى في علم الاقتصاد indexing ويلى ذلك إصدار عملة جديدة اسماها "الحقيقي" real مع تثبيت سعر الصرف لمدة خمس سنوات وهو ما يسمى في علم الاقتصاد pegging مع رفع معدل الفائدة في البنوك لتشجيع الادخار وتقليل الإنفاق. وتمت مناقشة الخطة على نطاق واسع مع الشعب الذى وافق عليها بتحفظ وبنوع من الحذر الشديد لسوابق الفشل. ولكن الخطة وفي شهور قليلة نجحت نجاحا فاق التوقعات فانخفض معدل التضخم الى اقل معدل في تاريخ البرازيل وعاد الاتزان الى القطاع المصرفي وتدفقت الاستثمارات الخارجية لارتفاع سعر الفائدة وتثبيت سعر الصرف وانتعش الاقتصاد وبدا معدل النمو في التصاعد.نجح كاردوسو باكتساح في الانتخابات الرئاسية والفوز من اول جولة ضد منافسة دي لولا ونتيجة للانتعاش الاقتصادي قام كاردوسو بتعويم " الحقيقي" في عام ١٩٩٩ لطمأنة الاقتصاد العالمي على استمرار معدلات النمو فنجحت البرازيل مرة اخري في كسب الثقة رغم الكساد الاقتصادي في جنوب شرق اسيا والازمة الاقتصادية في روسيا في نهاية التسعينات. قام البرلمان البرازيلي بتعديل الدستور ليسمح لكاردوسو بالترشح لمرة ثانية ليعاود النجاح الساحق امام منافسه دي لولا ومن الجولة الأولي ليتربع في قلوب البرازيليين كرئيس من ١٩٩٤-٢٠٠٣. ثم اخيراً نجح دي لولا لعدم وجود المنافس ليجد الطريق ممهدا للاستمرار على خطى العبقري كاردوسو. نجح ديلولا في ادخال الطبقات الفقيرة والمعدمة في مسيرة النهضة فحققت البرازيل اعلي معدلات التنمية ولم تتاثر بالكساد العالمي في ٢٠٠٨.ويجب التذكير ان الدولة الآخري التي لم تتاثر بهذا الكساد العالمي هى مصر لنجاح وزير ماليتها "المطرود" يوسف بطرس غالي في زيادة الإيرادات الحكومية عن طريق خفض الضريبة وتحسين اُسلوب تحصيلها مع خفض معدل الاقتراض الخارجي ونجاح محافظ البنك المركزي "المستقيل" فاروق العقدة في توازن سعر الصرف وتنظيم السوق الموازية للعملة ونجاح وزير الاستثمار الشاب "والمغضوب عليه" محمود محيى الدين في تبسيط إجراءات الاستثمار واعتقد ان الثلاثة درسوا باستفاضة خطة كاردوسو الاقتصادية الناجحة. لقد نجحت مصر في تحقيق معدل تنمية ممتاز في قتها وصل الى ٧.٣٪ في عام ٢٠٠٨ وان لم يشعر به عامة الشعب للفساد الاداري والاخلاقي مع الأفراط الأمنى ضد المعارضين للنظام السياسي.وهاهى مصر الان تحاول جاهدة مرة اخرى الخروج من الدائرة المغلقة لتعاود معدلات التنمية في الصعود بعد توقف دام لعدة سنوات فقد وصلت الى ٤.٥٪ الان فين حين انخفضت الى ما يقرب من الصفر قبل انتخاب الرئيس مباشرة. ينقصنا وجود رئيس وزراء اقتصادي مع وزير مالية واستثمار ومحافظ بنك مركزي على مستوى المطرود والمستقيل والمغضوب عليه مع مكافحة الفساد وتحقيق الانضباط وتحسين ملف حقوق الانسان وإعادة النظر في منظومة العدل لاستعادة الثقة العالمية في مصر وتحقيق الانتعاش الاقتصادي الذي يقضي بالتبعية على الاٍرهاب والتطرف. ارى ان رئيس الدولة يبذل جهدا خارقا ويجب علينا جميعا الوقوف صفا واحدا معه وليس خلفه لوقف معدل الاحباط وزرع بذور التفاؤل لِغَد أفضل لمصرنا الحبيبة وليكن لنا من تجربة البرازيل عبرة. مازلت متفائلا جدا لقدرة مصر على النجاح رغم الضيق الحالي الذى نعانيه فقد عانينا أسوأ منه في السابق في عهد عبد الناصر وفي عام ٢٠٠٣ونجحنا.