الثلاثاء، 26 يوليو 2016

الرعاية الصحية في الخليج دون المستوى... رغم الإنفاق الضخم!







الرعاية الصحية في الخليج دون المستوى... رغم الإنفاق الضخم!


2016-07-25الرأي الكويتية
2
تشهد صناعة الرعاية الصحية تحولاً جوهرياً على الصعيد العالمي، وتعد دول مجلس التعاون الخليجي أكثر البلدان المتأثّرة بهذا التغيير، إذ إنه بسبب تكلفة الرعاية الصحية الباهظة والمطالبة بخدمات أفضل وبأسعار مقبولة أكثر، يُعيد المسؤولون التفكير في نماذج تقديم الرعاية، واستكشاف الفرص المتوافرة لتحسين الجودة وزيادة النفاذ، بالإضافة إلى احتواء التكاليف المتزايدة في الوقت نفسه.

واستجابة لهذا الوضع الذي يشهد تغيّراً سريعاً، تعمل حكومات دول مجلس التعاون الخليجي على رفع التحدي، مع اعتمادها السياسات والخطط الجديدة لإدخال التغيير، ولكن على الرغم من اتخاذها هذه الخطوات، مازالت الفرص غير مستغلة في مجال تحليلات الرعاية الصحية.

ويملك قطاع الرعاية الصحية حالياً وأكثر من أيّ وقت مضى، حق النفاذ إلى كميات هائلة من البيانات المتوافرة في المكتبات الطبية، والسجلات الطبية الإلكترونية، والتطبيقات الصحية والأجهزة القابلة للارتداء، ووسائل الإعلام الاجتماعية، والمؤشرات البيئية.

ومع إمكانية نفاذ مؤسسات الرعاية الصحية إلى مصادر المعلومات الغنية والمعقدة، بات لديها القدرة الآن على التأثير على النفاذ إلى خدمات الرعاية الصحية وجودتها وتكلفتها، من خلال اتخاذ القرارات القائمة على البيانات التي من شأنها أن تطوّر السياسات، وتدير الموارد بشكل أفضل من أي وقت مضى.

وشهدت منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، تقدماً تكنولوجياً عظيماً في السنوات الأخيرة، وهي تُقدم احتمالات هائلة تماماً كالتحديات الدائمة التي تعاني منها أنظمة الرعاية الصحية فيها، ولا تُعتبر التكلفة أقلها.

وعوضاً عن خفض الإنفاق الخاص بالرعاية الصحية، وجدت دول مجلس التعاون الخليجي نفسها مرغمة على زيادته، إذ من المتوقع أن يرتفع الإنفاق بنسبة تقدّر بـ 4.4 في المئة سنوياً، للوصول إلى مبلغ 60 مليار دولار بحلول العام 2020، وفقاً لبيانات نشرتها «الماسة كابيتال».

إلا أنّ الزيادة في الاستثمار ستؤدي إلى تحسينات ملموسة، من حيث النفاذ إلى الرعاية الصحية والجودة، وفي الواقع مازال مستوى الخدمات الصحية في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي أدنى من المستويات المحددة من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

ووفق منظمة الصحة العالمية، يبلغ عدد الأطباء في دول مجلس التعاون الخليجي 17.7 طبيب لكل 10 آلاف شخص، في حين أن عدد أسِرّة المستشفيات يبلغ 13.7 سرير لكل 10 آلاف شخص، ومتوسط العمر المتوقع هو 76.3 سنة.

وفي هذا السياق، تظهر أحدث إحصاءات أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن متوسط عدد الأطباء لدى الدول الأعضاء فيها يبلغ 33 طبيباً لكل 10 آلاف شخص، في حين أن متوسط عدد الأسِرّة في المستشفيات يبلغ 48 سريراً لكلّ 10 آلاف شخص، أما متوسط العمر المتوقع فيبلغ 80.5 عام.

وستُعالج إلى حد ما زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية في دول مجلس التعاون الخليجي، التفاوت في المؤشرات الصحية، إلا أنّ القيام بذلك يصبح أكثر صعوبة في ظل انخفاض أسعار النفط، وتراجع الإيرادات من الموارد الطبيعية الثمينة.

ويجد المسؤولون أنّ عليهم بكل بساطة بذل المزيد من الجهود، لتقديم الأفضل في ظلّ أسوأ الظروف، فمع ضيق الأحوال المادية، قد تؤدي زيادة كفاءة الرعاية الصحية في المنطقة إلى نتائج أفضل في بعض المجالات، من دون أن تشملها جميعها، وفي حين قد يشهد متوسط العمر المتوقع تحسنًا، فمن المرجح أن يكون لزيادة الكفاءة تأثير لا يكاد يذكر على عدد الأطباء.

ومع ذلك، رغم تحديات التمويل والكفاءة التي تعيق إدخال التحسينات، في مجال الرعاية الصحية في المنطقة، مازال الاقتصاد الرقمي في دول مجلس التعاون الخليجي يشهد نمواً على قدم وساق، بفضل المهارات والابتكار والقدرات اللازمة، لتسهيل نجاح تحليلات الرعاية الصحية.

وعلى هذا الصعيد، كل ما على المسؤولين في المنطقة فعله، هو اغتنام الفرصة وتحويل الإمكانيات إلى نتائج ملموسة.

أمّا على الساحة العالمية، فيتم بالفعل استخدام تحليلات البيانات الصحية بشكل يُحدث تأثيراً كبيراً في مجالات مختلفة، كالتنبؤ بالأمراض الوبائية والوقاية منها، وتحديد أنماط السلوك البشري، والحد من هدر الموارد، وبناء القدرات.

وفيما يختصّ بأولى المجالات المعنية، تلعب تحليلات الرعاية الصحية دوراً رئيسياً في تقييم خصائص الفئات المعرضة للخطر بدقة، وتوقع تفشي الأمراض في المستقبل، وقامت الشركة الفرعية لبوز ألن (Epidemico) بتطوير (HealthMap)، وهي أداة توضح مدى فعالية مثل هذا التحليل التنبؤي.

وتمكن جهاز رصد المرض عبر الإنترنت، من خلال جمع أكثر من 50 ألف مصدر رسمي وغير رسمي للكشف عن التهديدات الصحية الناشئة، من الكشف عن تفشي مرض الإيبولا قبل أن تتمكن القنوات الرسمية من تحديده.

وكما تُظهر بعض الأمراض مثل فيروس الإيبولا، لا يُساهم الكشف المبكر دائماً في منع الوباء من التفشي، ولكن يمكنه الحد من نطاق المرض، والمساهمة في إعداد فئات تتمتّع بصحة أكبر، ونتيجة لذلك، يمكن أيضاً التوفير من خلال تخفيض تكاليف العلاج.

ووفقاً لمراكز الولايات المتحدة للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، تبيّن أن مقابل كل دولار تنفقه الولايات المتحدة على اللقاحات في مرحلة الطفولة، توفّر 10.2 دولار في علاج المرض.

ويُشكّل «البحث في الوقائع» أداة أخرى تتمتع بفعالية متزايدة، وتهدف إلى الحد من تكاليف الرعاية الصحية، وتوفير رعاية أفضل للمرضى.

وتقتصر هذه التقنية على جمع وتحليل البيانات البيئية المُستشعرة بواسطة الآلات، وتستخدم لتحديد أنماط السلوك البشري.

وتستخدم مراكز السيطرة على الأمراض تقنية «البحث في الوقائع»، لاستكشاف الأنماط الخاصة بالمشتريات الصيدلية، والإحصاءات المرورية الخاصة بالمتجولين على الطرقات، وسجلات الحضور في المدراس وأماكن العمل للكشف عن سلالات جديدة من الإنفلونزا، وتوقع الأدوية المطلوبة، ومساعدة المستشفيات، والمدن، والشركات في توقع الارتفاع الحاد في الطلب.

وبالإضافة إلى المنافع العديدة التي توفرها التحليلات المماثلة لعامة السكان، هناك أيضاً مزايا مُحتملة يمكن أن ينتفع منها المرضى الفرديون، إذ يمكن الاستعانة بالمعلومات الهائلة التي يمكن استخلاصها وتحليلها من السجلات الطبية الخاصة بشخص معيّن، ونمط حياته، ونشاطه على وسائل الاعلام الاجتماعية، وموقعه، فضلًا عن العوامل البيئية الأخرى، لتقديم الرعاية الوقائية والعلاجية الموجهة بشكل أفضل.

ومن الممكن أيضًا الحدّ من التكلفة وتحقيق الرفاه، حين تعمل الحكومات ومقدمو الرعاية الصحية للحد من هدر الموارد، وتحديد مواطن الضعف في عملية تقديم الرعاية، وقد أثبتت ولاية في أستراليا كيف يُمكن، بفضل الرؤية المحسنة وتحليل المعلومات، المساهمة في كشف مواطن الضعف، وتسليط الضوء على المبالغ التي يمكن توفيرها.

من جهة أخرى، يرتبط قياس الجودة بشكل وثيق بمسائل الكفاءة والهدر، وينتفع مجدداً من تحليلات البيانات الصحية، إذ يعمل المسؤولون في مجال الصحة حالياً على قياس النتائج عبر أنظمتهم من أجل تحويل المستشفيات إلى مرجعية، والتشجيع على إنشاء مستشفيات تتمتع بالفعالية والكفاءة، ودعم التحسينات في تلك التي يكون أداؤها أدنى من المستوى المطلوب.

ومع ازدياد الشفافية بفضل هذا التطور، يُمنح المرضى النفاذ إلى البيانات الجديرة بالثقة، التي تمكنهم بدورها من اتخاذ قرارات مستنيرة لاختيار الأنسب من بين مقدمي الرعاية بهدف تلبية احتياجاتهم.

ومع ذلك، لا يستنزف الإنفاق على الرعاية الصحية وحده الموارد المالية، فالاحتيال أيضاً يلعب دوراً بارزاً ويمكن أن يشكّل تحليل البيانات الصحية أداة فعالة للحد منه، إذ إنه بفضل أنشطة مكافحة الاحتيال التي نفذتها وكالة مراكز خدمات الرعاية الصحية والمساعدات الطبية في الولايات المتحدة الأميركية عام 2011، تمّ استرجاع أكثر من 4 مليارات دولار، وهو أعلى مبلغ يتمّ استرجاعه على الإطلاق، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى الكشف القائم على البيانات وأدوات التحليل.

وأثبتت أدوات التحليل المُعتمِدة على البيانات فعاليتها، من حيث قدرة المسؤولين عن نظام الرعاية الصحية على بذل جهود التخطيط.

ومن خلال الاستفادة من البيانات التشغيلية وبيانات الاستخدام وجمعها مع تحليل العوامل الاقتصادية، والاتجاهات الديموغرافية، وأنماط السكان الصحية، يمكن لصنّاع القرار في مجال الرعاية الصحية التخطيط بدقة

أكثر للاستثمارات الرأسمالية، وتعزيز الاستفادة من الخدمات الطبية إلى أقصى حدّ.

ومن خلال اعتماد هذه التدابير تمكّن المسؤولون، من تطوير قدرات تصوّر الأنماط المكانية، وتحديد المناطق التي تعاني نقصاً أو إفراطاً في تقديم الخدمات بشكل سريع، والعمل على تحسين أنظمة الرعاية الصحية الخاصة بها.

ويتطلب تحسين أنظمة الرعاية الصحية العمل على جبهات متعددة، فمعالجة مسائل القدرة والكفاءة والوقاية والجودة بشكل منفصل لا يمكن أن يؤدي سوى إلى نتائج محدودة.

ولبناء نظم مستدامة للمستقبل، لا بد من اعتماد نهج شمولي متعدد الأوجه لتحليلات الصحة، في حال سادت الرعاية والجودة والتكلفة، ولكن قبل أن يتولى المسؤولون هذه المهمة المعقدة، يجب أن يتم العمل على تثبيت عدة عناصر أساسيّة في مكانها.

ولا يمكن تحسين قيمة تحليلات الرعاية الصحية إلى أقصى حدّ، إلا في حال توفّر العوامل المساعدة المناسبة على المستوى الوطني، وتشكّل الرؤية العامل الرئيسي بينها.

وقبل المباشرة في تحليل البيانات، على الحكومات وأصحاب المصلحة اختيار مجموعة من المجالات ذات الأولوية، بالإضافة إلى تحديد الأهداف والنتائج المتوقعة من تحليلات الرعاية الصحية بشكل واضح.

وبعد القيام بذلك، ونظراً للعدد الكبير للجهات المعنية في أنظمة الرعاية الصحية الوطنية، ينبغي تحديد آلية واضحة لإدارة البيانات، حرصاً على دقة المعلومات التي تخضع للتحليل وجدارتها بالثقة.

وتُعتبر البنية التحتية المناسبة والأطر التنظيمية من العوامل الرئيسية، وفي ما يختصّ بالعامل الأوّل، تتطلّب تحليلات الرعاية الصحية بنية تحتية تقنية مناسبة، مثل السجلات الطبية الإلكترونية والأجهزة القابلة للارتداء، لجمع البيانات بشكل دقيق وشامل.

وينبغي أن تكون البنية التحتية قادرة على دمج كميات كبيرة من البيانات ومعالجتها وتحليلها، الأمر الذي يتطلب على سبيل المثال افتراضية كبيرة واللجوء إلى قدرات الحوسبة السحابية.

أما بالنسبة للأطر التنظيمية، فقضايا خصوصية البيانات في سياق الرعاية الصحية لها أهمية قصوى، وينبغي أن تكون أساليب استخدام البيانات السرية وتخزينها شديدة الوضوح.

وإن أخذنا هذه المسألة في عين الاعتبار، فعلى الحكومات أن تحرص على توفير الضمانات المناسبة لحماية المنظمات، وحماية المرضى.

إنّما حتى مع وجود أطر عمل قوية، وبنية تحتية متينة، ونظم راسخة، فمن دون الأشخاص المناسبين، ستذهب سُدىً الجهود المبذولة لاستخدام تحليلات البيانات بنجاح، فالتنفيذ الفعال يتطلب الأشخاص المناسبين الذين يتقنون تحليل البيانات الضخمة، وهذا أمر ضروري يتغاضى عنه مسؤولو الرعاية الصحية.

ومن الأفراد إلى الأولويات، ومع العناصر المركبة في مكانها المناسب، تبقى الحكومات والجهات المسؤولة عن الرعاية الصحية في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي وخارجها، مؤهلة للاستفادة من كل ما يمكن أن تقدمه تحليلات بيانات الرعاية الصحية، في عالم تُعتبر فيه الصحة أهم ما نملك، وهنا يمكن للتحليلات دعم وضع السياسات القائمة على البيانات، مع القدرة على تخفيض تكاليف الرعاية الصحية ورفع مستوى جودتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق