نشر فى : الأحد 7 مايو 2017 - 10:00 م | آخر تحديث : الأحد 7 مايو 2017 - 10:00 م
فى الآونة الأخيرة تصاعدت وتائر التعرض المجتمعى لمشروع إصلاح المنظومة الصحية الشامل الذى دُرج على تسميته بقانون «التأمين الصحى الشامل».
فى هذا السياق الهام والذى يشجع على المزيد من الحوار المعمق حوله إعلاميا ومجتمعيا من المهم رصد المبادئ الحاكمة للإصلاح الصحى التى استقرت منذ سنوات فى وثائق وأنشطة وبرامج القطاع الصحى منذ بدء محاوﻻت الإصلاح فى منتصف التسعينيات وحتى الآن.
على الرغم من الصعوبات والعثرات التى تعرض لها برنامج الإصلاح لأسباب سياسية واقتصادية مختلفة، كان البرنامج فى حد ذاته مبادرة شجاعة وغير مسبوقة عندما طرحت أولى وثائقه فى عام 1995، إدراكا من المجتمع وقتها للتردى والانهيار الذى تتعرض له المنظومة الصحية بفعل سياسات خاطئة جوهرها تخلى الدولة عن دورها فى الصحة والتعليم رغم أنهما جناحا التنمية الأساسى، ومن ثم طرحت المبادئ الحاكمة التالية لإصلاح المنظومة الصحية:
ــ ضرورة العمل على تحقيق شمول التغطية الصحية سكانيا وخدميا وجغرافيا، بما يعنى تغطية جميع المواطنين فى كل المناطق الجغرافية وفى مستويات الخدمات المختلفة.
ــ إلزامية تطبيق القانون على جميع الشرائح والقطاعات الرسمية العامة والخاصة والقطاعات غير الرسمية من العمل بما يحقق مبادئ التضامن فى المجتمع والدعم المتبادل وصولا إلى العدالة الاجتماعية فى الصحة، وبما يعنى عدم السماح ﻷى شريحة أو فئة بالتخارج من النظام لضمان استدامة تمويله والحفاظ على موارده ومشاركة الجميع فيه.
ــ الاهتمام بالأسرة كوحدة لتنفيذ القانون وأساس التوسع فيه بما يضمن تغطية الفئات الأولى بالرعاية (النساء والأطفال) مهما كانت تكلفة خدماتهم، وبما يعنى ضم وتوحيد القوانين السابقة المتعددة فى قانون موحد شامل.
ــ شمول القانون لآليات جديدة لحوكمة النظام الصحى، بما يعنى إعادة بنائه وهيكلته بإنشاء ثلاث هيئات مستقلة لها شخصية اعتبارية إلى جانب وزارة الصحة، وهى هيئة التأمين الصحى اﻻجتماعى المنوط بها جمع وتفعيل الموارد المالية وتوزيعها وشراء الخدمات من مقدميها بالتعاقد المدروس. وهيئة لاعتماد وتطوير جودة الخدمات الصحية. وهيئة للرعاية الصحية تعمل كمظلة لمقدمى الخدمات فى مختلف القطاعات المملوكة للدولة وتقوم بتوحيد إجراءات ولوائح العمل بها وتطور أوضاعها وتلتزم بالحفاظ عليها تمهيدا للتعاقد مع جهة التمويل الأولى.
من المبادئ الحاكمة أيضا أن يضمن القانون فى محور التمويل المشاركة والتضامن المجتمعى، وذلك من خلال تحديد نسب للاشتراكات مقننة ومدروسة سياسيا واكتواريا بين المشاركين فى النظام من عاملين وأصحاب أعمال ومهنيين وغيرهم من الفئات فى القطاعات غير الرسمية للعمل إلى جانب مساهمات رمزية عند تلقى الخدمة فى مستواها الأساسى لضمان جدية الطلب على الخدمة ومنع إساءة استخدامها من مقدمى الخدمات أو متلقيها، ويعفى من هذه المساهمات غير القادرين وأصحاب الأمراض المزمنة وأصحاب المعاشات الذين يُعدون من الفئات غير القادرة ماليا لأسباب ترجع للأمراض المزمنة أو لتدنى قيمة المعاش عن الحد الأدنى للأجر. كما ﻻ تفرض مساهمات عند دخول المستشفيات. إلى جانب اﻻشتراكات والمساهمات التى تدفعها الخزانة العامة للدولة لتغطية تكلفة الخدمات للشرائح والفئات التى تحدد باعتبارها غير قادرة أو أولى بالرعاية وفقا لدراسات اقتصادية واجتماعية واقعية.
ــ بالإضافة إلى آليات للتمويل المجتمعى فى إطار رسوم وضرائب مخصصة لتمويل النظام التأمينى، تفرض على التبغ ومشتقاته وبعض الخدمات والصناعات الملوثة وغيرها من الرسوم التى تساعد فى تمويل النظام فيما ﻻ يخل بمحاور الحقوق اﻻقتصادية واﻻجتماعية الأخرى.
وبذلك ينظم القانون إطارا جديدا لحوكمة النظام الصحى بهدف الوصول إلى الإنصاف والإتاحة والكفاءة فى استخدام الموارد المالية والبشرية اﻻستخدام الأمثل. إلى جانب ضمان المساءلة والمحاسبة والشفافية فى قياس الأداء وضمان الجودة. وهى مؤشرات وسيطة أساسية لضمان احترام وتنفيذ الحق فى الصحة كما نص عليه دوليا ودستوريا.
مفاهيم خاطئة حول التشريع
من المتداول حول مشروع القانون أنه مجرد قانون للتأمين الصحى إلى جانب سلسلة القوانين التى صدرت فى الأعوام الأخيرة للاستهلاك السياسى مثال ( قانون التأمين على المرأة المعيلة وقانون التأمين على الفلاحين وما قبلها) والواقع أن القانون الشامل الجديد مختلف تماما؛ فهو تشريع أساسى حاكم يهدف إلى إصلاح عوار هذه القوانين السابقة والتى لم تسع إلى إصلاح المنظومة الصحية وإنما السير فى نفس اﻻتجاه السابق الخاطئ للتوسع الفئوى وبنفس الآليات القديمة.
ومن المتداول أيضا أن مثل هذا القانون يستلزم موارد مالية ضخمة ﻻ يمكن توفرها الآن، أو أنها فوق قدرة المجتمع على تحملها والواقع قد يكون غير ذلك تماما، فحجم الإنفاق الكلى على الخدمات الصحية وفقا للدراسات الأخيرة الرسمية قد يتجاوز ما يحتاجه القانون الجديد للتنفيذ المرحلى، وإنما المشكلة فى إمكانية تجميع هذه الموارد فى صندوق تأمينى قوى يستطيع استخدامها اﻻستخدام الأمثل وفق احتياجات صحية حقيقية غير مزيفة وبكفاءة عالية ما يسمح بتخفيض الإنفاق الذاتى من جيوب المواطنين واحتواء التكلفة الكلية للخدمات بشكل قانونى وعادل.
من المتداول أيضًا مقولة لماذا ﻻ نصلح النظام أوﻻً ثم نؤسس للتشريع بعد ذلك، والواقع قد يكون عكس ذلك تماما، فإصلاح النظام جذريا يحتاج إلى تشريع قوى وملزم لأن محاولات الإصلاح السابقة تعرضت للتوقف والفشل بسبب عدم وجود تشريع يلزم كل الأطراف الفاعلة بمحاور الإصلاح.
من المتداول أخيرا، كمفهوم خاطئ أن هذا قانون أو تشريع يؤدى إلى خصخصة الخدمات الصحية، والحقيقة عكس ذلك تماما، فالقطاعات والخدمات الصحية مخصخصة بالفعل منذ ثلاثين عاما على الأقل وما يهدف إليه هذا القانون هو تحجيم وتنظيم هذه الخصخصة ما وجد منها على أرض الواقع فى هيئة مستشفيات وعيادات خاصة ودمجها فى منظومة صحية عامة متكاملة وقوية.
والواقع، أن تصميم هذا التشريع ليس اختراعا لم يسبق له مثيل، خاصة فى محاور تأسيس كيانات وهيئات جديدة مستقلة وفى آلية فصل التمويل عن إدارة وتقديم الخدمات، فهذا اتجاه استقر فى معظم التجارب العالمية للإصلاح الصحى الجيدة وهذا ما نجده فى بلدان مختلفة مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا وغيرها وهى النماذج الأكثر استمرارا واستدامة عالميا.
وفى الخلاصة، لاشك أن هذا التشريع الحاكم يعد تحديا ضخما ويحتاج إلى توافق مجتمعى كبير من حوله، وإلى كفاءات عالية لتنفيذه مرحليا وإلى إرادة سياسية تدعمه، ليتحول من مجرد حلم إصلاحى كبير إلى واقع قابل للتنفيذ التدريجى وإلى ضمانات قوية لعدم انحرافه عن أهدافه ومبادئه الأصيلة فى العدالة اﻻجتماعية وفى تنفيذ الحق فى الصحة.
فى هذا السياق الهام والذى يشجع على المزيد من الحوار المعمق حوله إعلاميا ومجتمعيا من المهم رصد المبادئ الحاكمة للإصلاح الصحى التى استقرت منذ سنوات فى وثائق وأنشطة وبرامج القطاع الصحى منذ بدء محاوﻻت الإصلاح فى منتصف التسعينيات وحتى الآن.
على الرغم من الصعوبات والعثرات التى تعرض لها برنامج الإصلاح لأسباب سياسية واقتصادية مختلفة، كان البرنامج فى حد ذاته مبادرة شجاعة وغير مسبوقة عندما طرحت أولى وثائقه فى عام 1995، إدراكا من المجتمع وقتها للتردى والانهيار الذى تتعرض له المنظومة الصحية بفعل سياسات خاطئة جوهرها تخلى الدولة عن دورها فى الصحة والتعليم رغم أنهما جناحا التنمية الأساسى، ومن ثم طرحت المبادئ الحاكمة التالية لإصلاح المنظومة الصحية:
ــ ضرورة العمل على تحقيق شمول التغطية الصحية سكانيا وخدميا وجغرافيا، بما يعنى تغطية جميع المواطنين فى كل المناطق الجغرافية وفى مستويات الخدمات المختلفة.
ــ إلزامية تطبيق القانون على جميع الشرائح والقطاعات الرسمية العامة والخاصة والقطاعات غير الرسمية من العمل بما يحقق مبادئ التضامن فى المجتمع والدعم المتبادل وصولا إلى العدالة الاجتماعية فى الصحة، وبما يعنى عدم السماح ﻷى شريحة أو فئة بالتخارج من النظام لضمان استدامة تمويله والحفاظ على موارده ومشاركة الجميع فيه.
ــ الاهتمام بالأسرة كوحدة لتنفيذ القانون وأساس التوسع فيه بما يضمن تغطية الفئات الأولى بالرعاية (النساء والأطفال) مهما كانت تكلفة خدماتهم، وبما يعنى ضم وتوحيد القوانين السابقة المتعددة فى قانون موحد شامل.
ــ شمول القانون لآليات جديدة لحوكمة النظام الصحى، بما يعنى إعادة بنائه وهيكلته بإنشاء ثلاث هيئات مستقلة لها شخصية اعتبارية إلى جانب وزارة الصحة، وهى هيئة التأمين الصحى اﻻجتماعى المنوط بها جمع وتفعيل الموارد المالية وتوزيعها وشراء الخدمات من مقدميها بالتعاقد المدروس. وهيئة لاعتماد وتطوير جودة الخدمات الصحية. وهيئة للرعاية الصحية تعمل كمظلة لمقدمى الخدمات فى مختلف القطاعات المملوكة للدولة وتقوم بتوحيد إجراءات ولوائح العمل بها وتطور أوضاعها وتلتزم بالحفاظ عليها تمهيدا للتعاقد مع جهة التمويل الأولى.
من المبادئ الحاكمة أيضا أن يضمن القانون فى محور التمويل المشاركة والتضامن المجتمعى، وذلك من خلال تحديد نسب للاشتراكات مقننة ومدروسة سياسيا واكتواريا بين المشاركين فى النظام من عاملين وأصحاب أعمال ومهنيين وغيرهم من الفئات فى القطاعات غير الرسمية للعمل إلى جانب مساهمات رمزية عند تلقى الخدمة فى مستواها الأساسى لضمان جدية الطلب على الخدمة ومنع إساءة استخدامها من مقدمى الخدمات أو متلقيها، ويعفى من هذه المساهمات غير القادرين وأصحاب الأمراض المزمنة وأصحاب المعاشات الذين يُعدون من الفئات غير القادرة ماليا لأسباب ترجع للأمراض المزمنة أو لتدنى قيمة المعاش عن الحد الأدنى للأجر. كما ﻻ تفرض مساهمات عند دخول المستشفيات. إلى جانب اﻻشتراكات والمساهمات التى تدفعها الخزانة العامة للدولة لتغطية تكلفة الخدمات للشرائح والفئات التى تحدد باعتبارها غير قادرة أو أولى بالرعاية وفقا لدراسات اقتصادية واجتماعية واقعية.
ــ بالإضافة إلى آليات للتمويل المجتمعى فى إطار رسوم وضرائب مخصصة لتمويل النظام التأمينى، تفرض على التبغ ومشتقاته وبعض الخدمات والصناعات الملوثة وغيرها من الرسوم التى تساعد فى تمويل النظام فيما ﻻ يخل بمحاور الحقوق اﻻقتصادية واﻻجتماعية الأخرى.
وبذلك ينظم القانون إطارا جديدا لحوكمة النظام الصحى بهدف الوصول إلى الإنصاف والإتاحة والكفاءة فى استخدام الموارد المالية والبشرية اﻻستخدام الأمثل. إلى جانب ضمان المساءلة والمحاسبة والشفافية فى قياس الأداء وضمان الجودة. وهى مؤشرات وسيطة أساسية لضمان احترام وتنفيذ الحق فى الصحة كما نص عليه دوليا ودستوريا.
مفاهيم خاطئة حول التشريع
من المتداول حول مشروع القانون أنه مجرد قانون للتأمين الصحى إلى جانب سلسلة القوانين التى صدرت فى الأعوام الأخيرة للاستهلاك السياسى مثال ( قانون التأمين على المرأة المعيلة وقانون التأمين على الفلاحين وما قبلها) والواقع أن القانون الشامل الجديد مختلف تماما؛ فهو تشريع أساسى حاكم يهدف إلى إصلاح عوار هذه القوانين السابقة والتى لم تسع إلى إصلاح المنظومة الصحية وإنما السير فى نفس اﻻتجاه السابق الخاطئ للتوسع الفئوى وبنفس الآليات القديمة.
ومن المتداول أيضا أن مثل هذا القانون يستلزم موارد مالية ضخمة ﻻ يمكن توفرها الآن، أو أنها فوق قدرة المجتمع على تحملها والواقع قد يكون غير ذلك تماما، فحجم الإنفاق الكلى على الخدمات الصحية وفقا للدراسات الأخيرة الرسمية قد يتجاوز ما يحتاجه القانون الجديد للتنفيذ المرحلى، وإنما المشكلة فى إمكانية تجميع هذه الموارد فى صندوق تأمينى قوى يستطيع استخدامها اﻻستخدام الأمثل وفق احتياجات صحية حقيقية غير مزيفة وبكفاءة عالية ما يسمح بتخفيض الإنفاق الذاتى من جيوب المواطنين واحتواء التكلفة الكلية للخدمات بشكل قانونى وعادل.
من المتداول أيضًا مقولة لماذا ﻻ نصلح النظام أوﻻً ثم نؤسس للتشريع بعد ذلك، والواقع قد يكون عكس ذلك تماما، فإصلاح النظام جذريا يحتاج إلى تشريع قوى وملزم لأن محاولات الإصلاح السابقة تعرضت للتوقف والفشل بسبب عدم وجود تشريع يلزم كل الأطراف الفاعلة بمحاور الإصلاح.
من المتداول أخيرا، كمفهوم خاطئ أن هذا قانون أو تشريع يؤدى إلى خصخصة الخدمات الصحية، والحقيقة عكس ذلك تماما، فالقطاعات والخدمات الصحية مخصخصة بالفعل منذ ثلاثين عاما على الأقل وما يهدف إليه هذا القانون هو تحجيم وتنظيم هذه الخصخصة ما وجد منها على أرض الواقع فى هيئة مستشفيات وعيادات خاصة ودمجها فى منظومة صحية عامة متكاملة وقوية.
والواقع، أن تصميم هذا التشريع ليس اختراعا لم يسبق له مثيل، خاصة فى محاور تأسيس كيانات وهيئات جديدة مستقلة وفى آلية فصل التمويل عن إدارة وتقديم الخدمات، فهذا اتجاه استقر فى معظم التجارب العالمية للإصلاح الصحى الجيدة وهذا ما نجده فى بلدان مختلفة مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا وغيرها وهى النماذج الأكثر استمرارا واستدامة عالميا.
وفى الخلاصة، لاشك أن هذا التشريع الحاكم يعد تحديا ضخما ويحتاج إلى توافق مجتمعى كبير من حوله، وإلى كفاءات عالية لتنفيذه مرحليا وإلى إرادة سياسية تدعمه، ليتحول من مجرد حلم إصلاحى كبير إلى واقع قابل للتنفيذ التدريجى وإلى ضمانات قوية لعدم انحرافه عن أهدافه ومبادئه الأصيلة فى العدالة اﻻجتماعية وفى تنفيذ الحق فى الصحة.
علاء غنام مسئول الحق فى الصحة فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وخبير فى إصلاح القطاع الصحى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق