التجربة البلجيكية في الرعاية الصحية والتأمين الطبي

على الرغم من إقرار النظام الصحي في مملكة بلجيكا في ثمانينيات القرن الماضي، إلا أنه لا يزال تجربة ناجحة في  مجال الرعاية الصحية؛ فهو يقوم على الشراكة بين الضمان الاجتماعي العام وشركات التأمين التعاوني الخاصة؛ فيقوم المواطن البلجيكي أو المقيم في هذا البلد بالاشتراك في الضمان الاجتماعي العام، ثم يختار شركة للتأمين التعاوني، والتي بدورها تقوم بالتأمين الاحتياطي من أجل تقديم خدمة أفضل. 

مملكة بلجيكا دولة ذات نظام ملكي اتحادي في أوروبا الغربية، ذات شكل برلماني للحكومة. وهي على ثلاثة مستويات؛ فهناك الحكومة الاتحادية، والإقليمية، والحكومة المحلية؛ أي (المحافظات والبلديات). كما أن بلجيكا عضو مؤسس في الاتحاد الأوروبي، وتستضيف عاصمتها بروكسل مقر الاتحاد، فضلاً عن عضويتها في الكثير من المنظمات الدولية الرئيسة الأخرى كمنظمة حلف شمال الأطلسي. وتبلغ مساحة بلجيكا نحو 31 ألف كيلومتر مربع، فيما يبلغ عدد سكانها نحو 11 مليون نسمة.

مزايا الرعاية الصحية

يتمتع سكان بلجيكا برعاية صحية جيدة، ويبلغ متوسط العمر المتوقع عند الولادة 79.5 سنة للرجل و83 سنة للمرأة، وفقاً لإحصائيات منظمة الصحة العالمية الصادرة في عام 2013م. وقد بلغت حصة الرعاية الصحية من الناتج المحلي للدولة نحو 11% من ميزانية الدولة؛ أي ما يعادل نحو 4500 دولار أمريكي للمواطن، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

ومن حق معظم البلجيكيين الحصول على الرعاية الصحية ذات الجودة العالية، والتي تمول أساساً من خلال اشتراكات الضمان الاجتماعي والضرائب العامة. كما أن من حقهم الجمع بين التأمين الصحي العام الإلزامي ونظام التأمين الصحي الخاص الذي يكفل الممارسة الطبية المستقلة، وحرية اختيار الطبيب أو العيادة أو المستشفى المناسب.

ورغم أن النظام الصحي البلجيكي لم تُجرَ عليه أي إصلاحات هيكلية رئيسة منذ ثمانينيات القرن الماضي، إلا أنه تم اتخاذ تدابير مختلفة وتحسينات من أجل رفع كفاءة أداء النظام الصحي. وقد شملت سياسة الإصلاح في السنوات الأخيرة: إصلاح تمويل المستشفى وتعزيز الرعاية الصحية الأولية، وتأهيل ومراقبة الأطباء والصيدلانيين، ومزيداً من التركيز على البحث العلمي وتكنولوجيا الرعاية الصحية، والمقارنة مع النتائج المالية والتقييمات الاقتصادية، وهناك درجة عالية من الرضا عن الرعاية الصحية بشكل عام.

ويقوم النظام الصحي البلجيكي على مستويين اثنين: اتحادي على مستوى الدولة، وإقليمي على مستوى الأقاليم والمقاطعات. ومنذ عام 1980م، انتقل جزء كبير من سياسة الرعاية الصحية من الحكومة الاتحادية إلى الحكومات الإقليمية.

والحكومة الاتحادية هي المسؤولة عن تنظيم وتمويل التأمين الصحي الإلزامي؛ وتحديد معايير الاعتماد، وتمويل المستشفيات واصدار التشريعات التي تُعنى بالسياسة الصحية والعاملين فيها. أما الحكومات الإقليمية فهي المسؤولة عن تعزيز الصحة العامة، وخدمات الأمومة وصحة الطفل ورعاية المسنين، بالاضافة إلى تطبيق معايير اعتماد المستشفيات، وتمويل الاستثمار في المستشفيات.

التأمين العام

يجب على أي موظف الدخول في التأمين الصحي العام ثم التسجيل في الضمان الاجتماعي، حيث يقوم الموظف بدفع 7.35% من الراتب الإجمالي الخاص مناصفة بين الموظف وصاحب العمل، وبمجرد الدخول في التأمين الصحي العام؛ فإن جميع من يعولهم الموظف يدخلون مباشرة للتأمين بدون زيادة في المبلغ المدفوع، وبعد الدخول في التأمين الصحي العام، يحصل الموظف وعائلته على بطاقة الضمان الاجتماعي المعروفة باسم كارت SIS.

بعد الحصول على الضمان الصحي الذي يكفل معظم الخدمات الأساسية، فإن صاحب الضمان يستطيع إضافة تأمين خاص إلى التأمين العام من خلال التعاقد مع شركة خاصة للحصول على خدمات إضافية؛ فقد يحتاج صاحب التأمين إلى خدمات إضافية كأن يكون من أصحاب الأمراض المزمنة، أو ممن يرغبون في خدمات إضافية كعلاج الأسنان والتجميل.

ويلزم النظام الصحي مواطني الاتحاد الأوروبي الدخول في برنامج التأمين الصحي العام؛ إذ يُمنحون حقوق الرعاية الصحية التي يتمتع بها المواطنون البلجيكيون. ولدى بلجيكا اتفاقات مع أكثر من 20 بلداً خارج أوروبا، بما في ذلك كندا وأستراليا والولايات المتحدة واليابان. وتمنح الاتفاقات مواطني تلك الدول جميع حقوق الرعاية الصحية كمواطني بلجيكا بمجرد أن يبدؤوا العمل على أرضها.

أما بالنسبة إلى المتقاعدين والعاطلين عن العمل أو ذوي الاحتياجات الخاصة، فيلقون معاملة مختلفة نوعاً ما؛ فالمتقاعدون يندرجون تحت مظلة التأمين الصحي العام على أن يغطي التأمين نسبة أكبر بحيث لا يضطر المتقاعد إلى أن يتعاقد مع شركة خاصة، أو أن يدفع مبالغ إضافية إذا لم يُغطِ التأمين التكاليف الإضافية. وبالنسبة إلى العاطل عن العمل فإن التأمين يسري معه لمدة معينة، طالما أنه لا يزال عاطلاً عن العمل. أما ذوو الاحتياجات الخاصة فإن التأمين الصحي العام يشمل كلاحتياجاتهم الخاصة التي قد تكلفهم الكثير بالنظر إلى حالاتهم الصحية.

ويدخل التأمين الصحي العام في المحصلة ضمن الضمان الاجتماعي؛ فبمجرد التسجيل في الضمان الصحي العام فإن المواطن البلجيكي أو المقيم يستطيع التسجيل في الضمان الاجتماعي، ويمكن التسجيل والتعامل معه من قبل صاحب العمل. وأما أصحاب الأعمال الخاصة أو المتقاعدون وغيرهم فيمكنهم التسجيل في أقرب مكتب من مكاتب الضمان الاجتماعي المنتشرة. ويمكن للجميع قراءة المزيد حول كيفية الاشتراك في الضمان الاجتماعي البلجيكي والحقوق الواجبة لهم وعليهم من خلال اقتناء الكتب والمنشورات المجانية. وتقدم الحكومة البلجيكية أيضاً دليلاً مفصلاً عن كل ما يراد معرفته عن الضمان الاجتماعي البلجيكي، والتأمين الصحي العام، وكيفية الاشتراك والتطبيق، وحدود وتفاصيل الخدمات المقدمة.

التأمين الخاص

وفي بلجيكا يكون التأمين الصحي الخاص خياراً إضافياً للتأمين الصحي العام؛ فبعد الحصول على بطاقة التأمين الصحي العام، يقوم الشخص باختيار شركة التأمين الخاصة؛ لاختيار التأمين الإضافي.

ويقوم التأمين الإضافي على مبدأ اختيار الرعاية الصحية المناسبة، ويكفل للشخص اختيار الطبيب والمستشفى وطريقة الحصول على الخدمة الطبية وفقاً لاختياراته الشخصية.

والكثير من شركات التأمين الخاصة هي شركات تأمين تكافلية، وقد تكون أيضاً شركات تكافلية ذات طابع اجتماعي، ويشمل التأمين الخاص الخدمات الإضافية التي قد لا يغطيها التأمين الصحي العام.

وعلى الرغم من أن التأمين الصحي العام يشمل غالبية الخدمات الطبية، فإن التأمين الصحي الخاص الإضافي يعطي امتيازات وخدمات إضافية لتحسين جودة التأمين الصحي العام وضبط أسعاره؛ فمثلاً عندما يضيف الشخص باقة كاملة للتأمين الصحي؛ فإن بوليصة التأمين الخاصة به تشمل خدمات إضافية وقائمة أكبر من المستشفيات والعيادات التي قد تناسب حالته أو رغباته الشخصية في الحصول على خدمات أفضل، وقد يختار الشخص إضافة علاج الأسنان والتجميل، أو اختيار خدمات أفضل مثل الحصول على أجنحة خاصة في المستشفيات أو رعاية صحية منزلية.

ويمكن للمواطن البلجيكي استخدام التأمين الخاص فقط دون الدخول في التأمين العام، على أن يقدم وثيقة للضمان الاجتماعي تثبت حصوله على بوليصة تأمين خاصة؛ لكي يستطيع الخروج من التأمين الصحي العام مع البقاء في الضمان الاجتماعي. وقد يسعى إلى هذا الخيار موظفو الشركات الكبرى أو أصحاب الأجور العالية الذين يستطيعون شراء باقات تأمين خاصة تغنيهم عن التأمين الصحي العام.

ويشمل التأمين الصحي الخاص نحو 25% من قيمة العلاج، و50% على الأقل من قيمة الأدوية، على أن يقوم الشخص بدفع المبالغ المتبقية. وفي حالات بوليصة التأمين المرتفعة فقد يغطي التأمين كامل المبلغ، ويقوم المريض أو المراجع بأخذ الموافقة على العلاج من شركة التأمين مباشرةً قبل الدخول في العلاج. وفي الحالات الطارئة أو التي يتعذر على شركة التأمين إصدار الموافقة، فإن المراجع يقوم بدفع المبلغ كاملاً ثم يقدم إيصال الدفع والأدلة لشركة التأمين لتحصيل المبلغ.

المستشفيات

هناك نوعان من المستشفيات في بلجيكا: المستشفيات العامة وعددها 141 مستشفى، ومستشفيات الطب النفسي ويبلغ عددها 68 مستشفى.

والهدف من هذا التقسيم هو عدم اختلاط أصحاب الأمراض العقلية أو الاضطرابات النفسية مع الأصحاء، لكنهم يلتقون؛ أي المرضى النفسيين أو العقليين، في الحصول على نفس مستوى الرعاية الأفضل، وخدمات المعالجة والاستشارات النفسية، إضافة إلى كفاءة العلاج المقدم لهم.

وللمستشفيات العامة عدة أنواع، منها المستشفيات المركزية التي تقدم الرعاية غير الجراحية في المقام الأول للبالغين الذين يعانون من أمراض القلب والجهاز التنفسي، وأمراض المعدة والأمعاء والغدد الصماء. كما أنها توفر جناحاً للأمومة، ولدى غالبيتها وحدات للطوارئ، وتوفر خدمات للمرضى من الأطفال والمسنين.

ومن أنواع المستشفيات العامة أيضاً المستشفيات التخصصية كمستشفيات أمراض وجراحة القلب، ومستشفيات أمراض السرطان، والمستشفيات الجامعية والبحثية.

والحقيقة أن غالبية المستشفيات حكومية، وتمول من المخصصات الحكومية ومبالغ التأمين العام، إضافة إلى ما تتلقاه من التبرعات والأوقاف. أما المستشفيات الجامعية فإنها عادةً ما تُموَّل من قبل الجامعات، وهناك عدد محدود من المستشفيات الخاصة التي تقدم خدمات أعلى وأرقى، خصوصاً فيما يتعلق برفاهية المريض، من ناحيتي الأجنحة الخاصة وسرعة العلاج.

 

يقوم النظام الصحي البلجيكي على الشراكة بين الضمان الاجتماعي العام وشركات التأمين التعاوني الخاصة

يلزم النظام مواطني الاتحاد الأوروبي الدخول في برنامج التأمين العام.. ولبلجيكا اتفاقات مع 20 بلداً خارج أوروبا، بما فيها كندا وأستراليا والولايات المتحدة واليابان

المصدر : مجلة مجلس الضمان الصحي التعاوني السعودي محرم ١٤٣٧ هـ / المجلد ٨ / العدد 2